سنة ونيف، مرت على خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى المسلمين من العاصمة المصرية القاهرة.. خطاب «هلل» له العرب قبل القائه وأثناءه وبعده طويلا واختاروا له من النعوت أبلغها واصطفوا له من الأوصاف أجزلها حتى تراءى للبعض أنه خطاب تاريخي لا يبشر بفتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية العربية فحسب وانما ينبئ بتغيير جذري في السياسة الاستراتيجية الأمريكية وفي رؤيتها للعدو والحليف.. هكذا رأى البعض منا الخطاب.. وبهذا اقتنعوا.. وللأسف لا يزال عدد منهم يحرصون على اقناع العالم العربي بأن التغيير الأمريكي آت لا محالة.. وهكذا أيضا أرادت الادارة الجديدة أن تسوّق لنفسها عربيا واسلاميا.. فبعد الصورة الجديدة للرئيس لا بد أن يكون الخطاب أيضا مخالفا للمعهود دون أن يصل أو حتى دون أن تداعب رياح التحوير والتغيير تخوم السياسة الخارجية والتوازنات والتحالفات.. وبعد عام ونيف أيضا من خطاب العلاقات العامة.. جاء الرد العربي والاسلامي جازما وحازما حيال سياسة اليد الممدودة والسيوف المسلولة.. ثلاثة ردود.. شعبية ورسمية.. تفجرت من صميم القلوب العربية والاسلامية المكلومة والمظلومة.. لتقول لأوباما ولغيره انتهت اللعبة.. أول الردود، كشفت عنه احدى مراكز استطلاعات الرأي والتي سبرت مواقف شعوب ثلاثة بلدان حليفة لواشنطن (تركيا ومصر وباكستان).. منتهية الى أن ثقة مواطني البلدان المذكورة في أوباما انهارت بشكل كارثي.. وأن أملها فيه كرئيس قادر على الاستجابة لاستحقاقات العالم الثالث بحكم المنشإ والمظهر والجذور خاب بالكامل.. ثاني الردود.. جاء من رئيس الوزراء التركي البلد الذي أطلق منه مبادرته لحوار صريح مع العالم الاسلامي رجب طيب أردوغان الذي وصف الغرب عامة والولاياتالمتحدة خاصة بالمتنصل من الوعود وبالظالم. ثالث الردود.. أتى من الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الذي اعتبر أنه وبعد سنة عن خطاب القاهرة الذي تضمن دعوة لايران لاقامة علاقات صحية مع واشنطن لم يقدم الرئيس الأمريكي ما يثبت صدق نواياه وعزمه على طي صفحة الماضي مع بلاده.. ردود كثيرة.. وعديدة أخرى.. جادت بها الأنفة الاسلامية حين تُغدر والشموخ العربي حين يخان.. سرعان ما تعاضدت بمواقف مشرفة من البرازيل وفينزويلا وكوبا.. أكدت بأن العلاقات الجيدة لا تبنى بخطاب تسويقي متميز مصدّر بتحية الاسلام ولا بالاستعانة بمستشارة مسلمة محجبة ولا حتى بالتذكير بأن المسلمين كان لهم دور كبير في بناء الولاياتالمتحدةالأمريكية.. عام ونيف.. مدة قصيرة جدا في عالم السياسة.. لتكون مؤهلة لبيان صدق الخطاب السياسي من كذبه ومن صواب الرؤية من ضبابيتها.. وعلى الرغم من هذا فانها كانت قادرة على تبيان مدى الانفصال المريب القائم بين الكلام والأفعال.. وكشف أكاذيب السياسة الأمريكية.. . لا شكّ أن هذه الأصداء لن تفرح أوباما كثيرا ولا فريقه الاستشاري.. ذلك أنه يعلم أن هذه النتائج وغيرها ستفرض على حلفائه في المنطقة الاختيار بين تناقضين فاما ارضاء الشعب أو محاباة الأمريكان.. ارضاء الداخل أم الخارج.. وفي الحالتين سيضحون باحدى الفرضيات.. قد تكون التضحية بالولاياتالمتحدة لمن استمرأ الخنوع والخضوع لها صعبا حاليا على الأقل.. غير أن نجاح أي نموذج مقاوم في التحدي وبلوغ الأهداف الوطنية قادر لا فقط على جذب أصحاب المشاريع القومية واسترجاع الثقة في الشعوب والارادة الداخلية وانما أيضا على كسر صورة الهيبة والنفوذ الأمريكيين في العالم برمته..