بقدر ما يكتسي قطاع الخدمات بأهمية كبيرة جدا لدى المستهلك وفي الدورة الاقتصادية بقدر ما تنقصه بعض المشاريع الملائمة والمتطورة التي تمكّن هذه المهن من المنافسة الخارجية وحتى الداخلية خاصة بوجود الثغرات القانونية التي يرتكز عليها المستثمرون الأجانب للانتصاب بتونس. وفي محاولة من «الشروق» لمزيد توضيح اشكاليات قطاع الخدمات اتصلنا بالسيد الأسعد الذوادي رئيس غرفة المستشارين الجبائيين التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة. * يبدو أن هناك اشكالا يتعلق باتفاقية التجارة والخدمات؟ نعم الاتفاقية العالمية للتجارة والخدمات التي يعبّر عنها بGATS والتي وقّعت عليها تونس من الطبيعي أن تكون ملحقة بقائمة تتضمن كل مهن الخدمات المعنية بالاتفاقية وبالتحرير، لكن الاشكال المطروح يبقى دائما في الأمر عدد 492 المؤرخ في 27 فيفري 1994 الذي ينص علي تحرير كل المهن غير المنظمة وهي عديدة ونذكر منها مهندس فضاء داخلي وهي مهنة ينتصب فيها الأجانب لأنها غير منظمة رغم أن فيها شهادة علمية تونسية ووقع انتصاب الأجانب للثغرة القانونية الموجودة فيها. بينما نحن اذا أردنا الانتصاب بالخارج يطلقون علينا وابلا من الشروط المجحفة كالاختصاص والتأشيرة والتجربة ورأس المال وما الى ذلك من شروط، أماعندنا فيكفي أن يتم القيام بتصريح من أجنبي لدى وكالة النهوض بالصناعة حتى يتسنّى له العمل في هذه المهنة «المهمشة» ببلادنا، ثم انه في عملية التفاوض، أنا لا أعلم كيف يمكن الحديث عن مهن مهمشة وغير منظمة مع ممثلين عن دول قطاع خدماتها شديد التطور. هناك أيضا مهنة المستشار القانوني ونحن نعلم أن القانون من اختصاص المحامين فكيف يتدخل فيه مستشار جبائي أو خبير محاسبة؟ ومهندسو الفضاءات الخضراء هم أيضا غير واضعي القانون والمحللون الماليون يشتغلون دون تصريحات من وزارة المالية ودون خبرة، ونلاحظ تنامي شركات اليد العاملة Main Power الأجنبية كيف يُسمح لها بتغطية الجدران ونحن لم نوقع أي اتفاقية، وما هي الآلية التي مكنتهم من الانتصاب وكأننا نستورد البطالة ليس إلا. * تعني بذلك غياب تام للنصوص القانونية؟ لا وإنما أغلب الخدمات التي وقع تحريرها إما غير منظمة أو ان قوانينها متخلفة وغير متطورة لأنها لا تضمن التخصص فمثلا مستشارو التصدير شروط التخصص فيها غير محددة ففي كراس الشروط يكفي أن يكون الشخص متحصلا على الأستاذية دون ذكر الشعبة فلماذا لا يتم التنصيص فيها على التجارة الخارجية، ووكيل عقاري مهنة تمارس في المقاهي ووكلاء الاشهار يشترط فيهم الحصول على الباكالوريا فقط وبالتالي فالاطار التشريعي هو نسبيا ملائم ولكنه لا يكرس الاختصاص الذي يجب أن يكون أول شروط الممارسة. والمهن المنظمة بقوانين قليلة جدا كالأطباء والمحامين والخبراء المحاسبين. * ما هي إذن شروط التأهيل للقضاء على المخالفات؟ حسب علمي وقع اصدار قانون يتعلق بالتأهيل منذ سنة 1997 وتمّ استدعاؤنا من طرف وزارة الصناعة المشرفة على عملية التأهيل وحضرنا اجتماعات ماراطونية منذ 1999 وقدمنا عديد المقترحات وكانت مدعمة بتجارب أجنبية خاصة وأن التشريع الموضوع من طرف الكنفدرالية الأوروبية للجباية تضم أكثر من 1150 مستشارا جبائيا موزعين على 26 بلد أوروبي ونحن لم نطالب بدعم مالي لأن هناك من اختزل مفهوم التأهيل في العطايا والهبات بل طالبنا بتشريع متطوّر يضمن الاختصاص العلمي والكفاءة العالية والخبرة والبطاقة المهنية نظرا للمنافسة غير الشريفة التي تسيطر على القطاع بمراقبة الجودة والتأديب في صورة المخالفة وخاصة جدولة المنتمين لمختلف المهن وما إلى ذلك من الشروط الموضوعية التي يجب أن تتوفر في المهن الحرة ذات العلاقة بالنظام العام، لكن بعد تقديم المقترحات لم نتحصل على شيء الى يومنا هذا ونتساءل لماذا توقف مسار التأهيل ولماذا يتم دائما اختزال مفهوم التأهيل في المزايا والعطايا. * إلى جانب «غياب التأهيل» ما هي الحلول الأخرى؟ أولا يجب الاستمرار في عملية التأهيل ثم ان هناك ضرورة ملحة لايجاد تصنيفة للمهن تضبط بدقة مجال تدخل كل مهنة وتكون ملائمة للتصنيفة المعتمدة من قبل المنظمة ا لعالمية للتجارة وذلك حتى تسهل عملية التفاوض في اطار الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات وهي تضمن وضع حدود قانونية لتداخل المهن والتجاوزات المتمثلة في امتهان نشاط على غير وجه قانوني، فالمتفاوضون في ظل انخرام مماثل لن يعرفوا حتى المصطلحات التي عليهم استعمالها لأن هذه القطاعات غير منظمة ثم لا يستطيعون التفاوض في جنيف بدون معرفة واضحة لوضعية هذه المهن، ثم أن البروتوكول الذي تم تقديمه في قمة 5+5 يطالب في الفصل 17 منه بضرورة ملائمة تشاريع البلدان غير المتطورة لتشاريع البلدان الأوروبية خاصة في المجالات (الخدمات) التي صدرت في شأها توصيات أوروبية، ونتساءل هل أن الملائمة تحتاج الى دراسات كما يزعم البعض حتى أننا أصبحت لدينا حساسية من الدراسات لأنها تعني المقبرة. * علمنا أن وزارة الصناعة قد بعثت بمراسلة تحدد الهياكل المشرفة؟ مراسلة وزارة الصناعة لم تحدد أي شيء وإنما أعلمتنا أن «وكالة النهوض بالصناعة.. لا يشمل عملها مراقبة ورصد التجاوزات المتعلقة بالانتصاب خلافا للتشريع الجاري به العمل»، ومن هناتبرز ضرورة إيجاد هيكل مشترك ينظم الخدمات للابتعاد على مشكل تضارب المصالح ومسك وتطوير تصنيفة مهن الخدمات والتأكد من أن المشاكل التي تخول ممارسة المهنة تضمن التخصص لحماية المستهلك ثم حث الهياكل المهنية على الالتزام بالمعايير الدولية المتعارف عليها لممارسة المهنة ودراسة مشاغل المهنيين ومستهلكي خدماتهم وتقديم المقترحات الكفيلة بإيجاد حلول لها وخاصة حث المؤسسات الجامعية على ايجاد الاختصاصات حسب حاجيات مهن الخدمات وسوق الشغل ونحن اليوم لا نستطيع الدخول الى الاسواق الاجنبية لأن قوانينهم واضحة ومتطورة خلافا لقوانيننا ففي وكالة النهوض بالصناعة هناك عند التصريح بإيداع استثمار أجنبي خاصة في مهنة الدراسات الفنية غموض شديد يخول للأجانب الاستيلاء على سوقنا الداخلية وسد الأفق أمام مستثمرينا فلماذا لا توضح العبارة والمجال إذ بمجرّد اضافة كلمة أو كلمتين يتغير النشاط تماما إذ تكفي زيادة كلمة «لوجستيات النقل» مثلا أمام عبارة دراسات فنية حتى يتغير الاختصاص وهو ما يفتح أيضا باب المنافسة غير الشريفة. وأرجع الى مهنة المستشار القانوني فالفصل 2 من قانون 1987 عدد 87 والمتعلق بمهنة المحاماة ينص على أن الاستشارة القانونية من مهام المحامي والحال أن ادارة الجباية تعتبر المستشار القانوني هي مهنة غير منظمة وبالتالي يمكن امتهانها من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالقانون وهو ما يعدّ تناقضا صارخا. * ماذا تضيفون في الأخير؟ «محكمة مهنية» لوضع حد لحالة التمييز بين المهن وتنظر في النزاعات التي تنشب بين المهنيين ومستهلكي خدماتهم وبين المهنيين أنفسهم مع تبسيط اجراءات التقاضي وذلك لوضع حدّ في أسرع وقت للتجاوزات مع ضرورة مراجعة التشريع المتعلق بعمل المتقاعدين أيضا وكذلك بممارسة الموظفين العموميين لنشاط خاص له علاقة بمهامهم السابقة مع ضرورة تشجيع حاملي الشهادات العليا ومنحهم الاطار القانوني للعمل وفرض سن قصوى 50 سنة للراغبين في ممارسة بعض مهن الخدمات على غرار ما صدر بقانون المالية لسنة 2003 والمتعلق بمأموري المصالح المالية وخاصة اعداد تقرير احصائي حول المؤسسات الاجنبية المنتصبة بطريقة غير قانونية اعتمادا على الأمر 492 المتعلق بالأنشطة المنتفعة بالامتيازات الجبائية ومنع العلامات التجارية الاجنبية في مجال الخدمات طالما أن التفاوض بشأن تحرير الخدمات لم ينته وضرورة تفعيل الشراكة بين مختلف الهياكل لإيجاد الآليات الكفيلة بمقاومة المنافسة غير الشريفة.