تم بعث المجلس الوطني للخدمات منذ سنة 2006 بمبادرة من مؤسس الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين وذلك قصد وضع حد لحالة التهميش المتعمد التي تعيشها مهن الخدمات و بالاخص ذات الطابع الفكري على الرغم من ان قطاع الخدمات يعد استراتيجيا بالنظر لضعف القدرات التنافسية للقطاع الصناعي ويمكنه توفير الاف مواطن الشغل لحاملي الشهادات العليا. و على الرغم من أن المهام الرئيسية للمجلس تتمثل في إبداء الرأي في المواضيع ذات الطابع الهيكلي والظرفي المعروضة عليه ورصد واقع قطاع الخدمات و استشراف التطورات داخليا وخارجيا وإقتراح الإصلاحات والإجراءات الكفيلة بتطوير أداء قطاع الخدمات بمختلف فروعه بما يضمن مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاستجابة للمعايير العالمية المتفق عليها في كل مهنة والمساهمة في إعداد توجهات السياسة الوطنية في مجال تحرير وتصدير الخدمات والمساهمة في إرساء شبكة معطيات شاملة و دقيقة يتم إستغلالها في إعداد تقارير إحصائية حول أنشطة قطاع الخدمات و تنسيق برامج مختلف الهياكل الساهرة على القطاع. كيف يمكن للمجلس أن يقوم بدوره إذا كان البعض من أعضائه واقفين في وجه تأهيل المهن المكلفين بمتابعتها وتخليصها من التهميش المتعمد وخير مثال في ذلك ما تتعرض له مهنة المستشار الجبائي منذ عشرات السنين ومن ورائها حاملي شهادة الاستاذية والماجستير في الجباية من العاطلين عن العمل الذين لا يمكنهم الانتصاب لحسابهم الخاص في ظل اطلاق العنان للمتلبسين و السماسرة الذين ينشطون دون رادع على مرأى و مسمع من الجميع مكلفين الخزينة العامة مئات الاف المليارات. هل يعقل ان لا يتم ضبط قائمة في مخربي الخزينة العامة وشركائهم من الفاسدين الذين يستقبلونهم كالفاتحين الابطال داخل الادارة في خرق لقانون المستشارين الجبائيين والمحامين والفصل 6 من قانون الوظيفة العمومية. فعدم تنظيم عدد هام جدا من المهن التي يمكنها ان توفر الاف مواطن شغل للعاطلين عن العمل وغياب تصنيفة وطنية وسجل وطني للمهن، فتح الباب على مصراعية للمتحيلين والفاسدين والمخربين. فبخصوص مسالة التحرير، رفض المجلس ضمنيا النظر في عدد من العرائض المرفوعة اليه من قبل الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين تتعلق اساسا بالتحرير العشوائي والوحشي لاغلب مهن الخدمات المعنية بالتفاوض في اطار الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات واتفاق الشراكة مع الاتحاد الاروبي نتيجة الاخطاء الفادحة التي تضمنها الامر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الضابط لقائمة الانشطة المنتفعة بالامتيازات الجبائية حيث تحول الى وسيلة ناجعة و فعالة في مادة استيراد الابطالة في الوقت الذي اصدرت فيه اروبا خلال شهر جوان 2008 توصية العودة لطرد المهاجرين و في الوقت الذي تحول فيه طرد الاجانب باروبا الى ورقة انتخابية. فبالاعتماد على العبارات الفضفاضة التي تضمنها هذا الامر الفاسد، تمكن اشباه الباعثين خاصة من الأجانب برأس مال لا يتعدى 500 يورو من تكوين شركات تحت عنوان التدقيق الاقتصادي و الاجتماعي والقانوني والإداري ومرافقة المؤسسات والاستشارات والدراسات وهي أنشطة لا تعرف ماهيتها و حدودها ليحصلوا على معرف جبائي في خرق للفصل 56 من مجلة الضريبة على الدخل ويرسموا بالسجل التجاري في خرق للفصل 3 من القانون عدد 44 لسنة 1995 متعلق بالسجل التجاري ويباشروا بعد ذلك، دون رادع على مرأى و مسمع من الإدارة المهمومة كذبا وبهتانا بتشغيل العاطلين عن العمل، مهام المستشار الجبائي المهمشة مهنته أصلا والمحامي والمحاسب والوكيل العقاري والمستشار المالي والوسيط القمرقي والمستشار الاجتماعي ووكيل الإشهار وغير ذلك من الأنشطة المعنية بالتحرير قبل التفاوض و تكريس مبدا المعاملة بالمثل على الأقل دون الحديث عن اعمال التحيل التي يقوم بها بعضهم مثلما يتضح ذلك من خلال البلاغات التي تصدرها من حين لاخر هيئة السوق المالية. الأغرب من ذلك ان الفقه الإداري اعتبر طيلة عشرات السنين مهنة الاستشارة القانونية غير منظمة في خرق للفصل 2 من قانون المحاماة والفصل الاول من قانون المستشارين الجبائيين ليمكن بذلك المكاتب الأجنبية العملاقة للمحاماة من الانتصاب ببلادنا والتلبس بلقبي المحامي والمستشار الجبائي دون الحديث عن الأطراف الإدارية التي لا زالت مصرة على انكار هذه الظاهرة الخطيرة على عشرات الالاف من العاطلين عن العمل من خريجي كليات الحقوق. الاتعس من ذلك ان تتمكن شبكات عالمية مختصة في السمسرة في اليد العاملة و توظيفها من الانتصاب قبل التحرير لتباشر أنشطة لا زالت حكرا على الدولة حسب مجلة الشغل وأنشطة تجارية في خرق للمرسوم عدد 14 لسنة 1961 من خلال إيداع تصاريح بالاستثمار مغشوشة تحت عنوان دراسات و استشارات قانونية و اجتماعية و اقتصادية. لا ننسى ايضا الشركات الاجنبية التي تمتهن نشاط اصدار قصاصات المطاعم في خرق لنفس المرسوم من خلال ايداع تصريح مغشوش لدى وكالة النهوض بالصناعة، علما بان احدى هذه الشركات التابعة لاخت زوجة الرئيس المخلوع لا زالت الى حد الان مستحوذة على عديد الصفقات العمومية التي ابرمتها في ظروف فاسدة. بالنسبة للتأهيل و تطوير التشريع المهني، رفض المجلس ضمنيا التعهد بعديد العرائض الموجهة اليه بهذا الخصوص من قبل الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين على الرغم من جديتها حيث استندت الى القواعد المهنية المتفق عليها داخل الكونفدرالية الجبائية الاروبية الضامة لأكثر من 180 ألف مستشار جبائي و التوصية الاروبية الصادرة بتاريخ 12 ديسمبر 2006 متعلقة بالخدمات للمطالبة بوضع حد لحالة التهميش التي تعيشها المهنة بمقتضى القانون عدد 34 لسنة 1960 متعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين و كراس شروط خال من الشروط المتعارف عليها داخل اروبا على سبيل المثال لا الحصر و انتهاك التشريع المتعلق بها على الرغم من تخلفه. فحتى بعد صدور أمر 2009 الذي عوض أمر 2006، لا زال المهنيون يتساءلون عن دورهم داخل المجلس الوطني للخدمات و عن الجدوى من حضور اجتماعات باهتة لم يتمخض عنها أي شيء يذكر الى حد الان باعتبار الدور الهامشي المسند لهم بالنظر لهيمنة الإدارة المطلقة على أعماله حيث يخيل للدارس والملاحظ ان الامر يتعلق بتاهيل الادارة وليس المهن المشرفة على تهميشها منذ عشرات السنين. الاغرب من ذلك ان اغلب المهن غير المنظمة غير ممثلة فضلا عن ان المهن القانونية غير ممثلة داخله في حين ان الوزارة المشرفة عليها ممثلة. اما اجتماعات المجلس على قلتها فلا يمكن الدعوة اليها الا من قبل الادارة. و على الرغم من ان امر 2009 احدث وحدة تصرف حسب الاهداف لانجاز برنامج تاهيل الخدمات الا انه اهمل مسائل جوهرية كتحديد مفهوم التاهيل و تركيبة المجلس التي يجب ان تكون متوازنة واجراءات الانتفاع بخدماته واستقلاليته بالنظر للعراقيل الموضوعة من قبل بعض الجهات ضد تأهيل بعض المهن ودور المهنيين داخله ونشر تقرير سنوي بخصوص اعماله واجراءات التظلم بالنسبة للمهن المحرومة من التاهيل مثلما هو الشان على سبيل المثال بالنسبة للمستشارين الجبائيين الذين أصبح بإمكانهم التقاضي لدى المحكمة الإدارية بعد احداث وحدة التصرف حسب الاهداف. فلقد قوبلت مطالب المهنيين الملحة، و من اهمها تنظيم المهن بنصوص قانونية متطورة و مراجعة كراريس الشروط الخالية من الشروط، باللامبالاة و اسند إليهم دور الحضور الصوري في اجتماعات باهتة لا يعرفون الغاية من عقدها طالما ان دار لقمان على حالها ووضعية المهن تزداد يوميا سوءا من جراء عدم التأهيل و الفوضى المستشرية في المجال وعدم تفعيل القوانين المهنية والاقتصادية المتخلفة أصلا والمتعلقة بالمنافسة اللاشرعية وحماية المستهلك والاشهار الكاذب. فالادارة لا زالت مصرة على ان المهنيين لا يمكنهم المطالبة بتطبيق مقتضيات قانون المنافسة والاسعار بخصوص المغالطة حول العناصر الجوهرية للخدمة والاشهار الكاذب وغيرها من الاعمال الماسة بنزاهة المعاملات الاقتصادية وفي ذلك خرق للفصل الاول من نفس القانون فضلا عن ان ذلك يتنافى مع فقه القضاء الفرنسي ضرورة ان ذاك القانون منقول عن التشريع الفرنسي وقد زاد هذا الموقف في استفحال الفوضى والتحيل وتخلف المهن المدعوة من قبل الادارة لاكتساح الاسواق الخارجية دون ان تستجيب تلك المهن المهمشة للشروط المطلوب ان تتوفر فيها من قبل البلدان الاروبية على سبيل المثال حتى يتم الاعتراف بها. كما رفضت الادارة الى حد الان ايجاد سجل للمهن غير التجارية او تعويض السجل التجاري الذي بقيت اغلب احكام قانونه ميتة وغير مفعلة منذ سنة 1995 بسجل الانشطة الاقتصادية حيث لا يستساغ واقعا وقانونا ومنطقا ان تسجل الذوات المعنوية التي تباشر انشطة غير تجارية و لا تسجل الذوات الطبيعية التي تباشر نفس الانشطة. الاتعس من ذلك ان يرسم به المتلبسون بلقب المستشار الجبائي عوض رفع امرهم الى النيابة العمومية مثلما نص على ذلك الفصل 29 من مجلة الاجراءات الجزائية اما الدراسات المكلفة للمجموعة الوطنية و المنجزة بهذا الخصوص منذ سنة 1998 فإنها تفتقد لأدنى الشروط العلمية و المهنية حيث يتضح ان اخر دراسة منجزة خلال السداسية الثانية لسنة 2010 و التي ساهم في اعدادها “خبراء اروبيون” و قد اعطيت الاوامر لاستبعاد الغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين منها، فضلا عن انها لم تشر الى التوصية الاروبية المؤرخة في 12 ديسمبر 2006 و المتعلقة بالخدمات و التي يعول عليها كثيرا أعضاء الاتحاد الاروبي دون الحديث عن ان تلك الدراسة طالبت بارجاء النظر في الاطار التشريعي لمهن الخدمات غير المنظمة رغم أهميتها او المحكومة بقوانين متخلفة و هذا يعد مخالفا لمهام المجلس الوطني للخدمات التي من ضمنها تطوير الاطار التشريعي المتعلق بالمهن على غرار ما هو معمول به داخل البلدان التي نرغب في فتح سوقنا لها و المفتوحة اصلا من خلال الثغرات القاتلة و المضرة التي تضمنها الأمر عدد 492 لسنة 1994 الذي نمى بصفة خطيرة ظاهرة استيراد البطالة على حساب المؤسسات التونسية دون مراعاة لمبدأ المعاملة بالمثل. الأغرب من ذلك ان تلك الدراسة أوصت بان بعض الهيئات المهنية المناشدة للرئيس المخلوع يمكن ان تلعب دورا في عملية تأهيل مهن الخدمات علما بان تلك الهيئات الغارقة حتى النخاع في الفساد لعبت دورا كبيرا بمعية بعض الأطراف الإدارية المتواطئة معها في الوقوف في وجه تاهيل مهنة المستشار الجبائي المحكومة بقانون 1960 المتخلف و في صياغة بعض النصوص القانونية على مقاسها. و يخرج علينا الفاسدون صلب الادارة من حين لاخر ليعلمونا انهم سيشرعون في تاهيل 100 مؤسسة تطبيقا لمقاربة اختزال التاهيل في منح المساعدات المالية دون تحديد لمفهوم التاهيل متجاهلة بذلك المطالب الملحة لاصحاب المهن الذين يعتقدون ان تاهيل مهنهم مرتبط بالاطار القانوني المهني والتكوين ومراقبة الجودة والتاديب ومعاقبة الدخلاء وحماية المستهلك وغير ذلك. فالبعض يطالب بإيجاد هيكل شبيه بديوان المهن بكندا و الاستئناس بتجربتها الرائدة في مجال تنظيم المهن من خلال ايجاد قانون اطاري شبيه بمجلة المهن بكندا أو كتابة دولة لمهن الخدمات صلب الوزارة الاولى مثلما هو الشان داخل بعض البلدان الاروبية لتنكب على مشاغلهم و تضع حدا لحالة التهميش المقيت الذي تعيشه المهن منذ عشرات السنين باعتبار أن المجلس الوطني للخدمات ولد مشلولا و لم ينتج شيئا يذكر منذ سنة 2006 حيث اتضح فعليا ان ما يقوم به فيه اهدار للوقت و تجذير للتخلف و اهدار للمال العام من خلال الدراسات التافهة و الفاقدة لادنى المعايير العلمية و المهنية التي ينجزها من حين لاخر. فالمفروض اليوم ان تقوم السلطة الشرعية بتحقيق بخصوص المال العام المهدور في اطار عدد هام من الدرسات الفاسدة وكل المجالس و الهيئات التي لم تنتج الا التخلف و الخراب و الدمار و الفساد. كما عليها ان تحدث صلب الفصل 107 من المجلة الجزائية جريمة الاهمال التي يمكن ان يرتكبها الفاسدون من الموظفين في خرق للفصل 6 من قانون الوظيفة العمومية و ذلك حتى يتم وضع حد للفساد الاداري الذي يكلف المجموعة سنويا الاف المليارات بالنظر لحجم التاجير العمومي الذي يجب تخفيضه في مرحلة اولى في حدود 50 بالمائة. هل يعقل ان لا تتم محاسبة الفاسدين الذين لو ينجزوا المهام المشار اليها خاصة بالفصل الاول من الامر المحدث للمجلس الوطني للخدمات، علما بان تاهيل قطاع الخدمات من شانه توفير الاف مواطن الشغل للعاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا. الاسعد الذوادي عضو معهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا