في ظرفيّة تداخلت فيها العلاقات الدوليّة وفي زمن قلّت فيه أواصر العلاقة الصادقة والأخوية المتينة والمبدئيّة بين الدول وقادتها في جلّ أرجاء المعمورة، تأتي زيارة الرئيس السوري لبلادنا بدعوة من أخيه الرئيس زين العابدين بن علي لتؤكّد حقيقة أضحت ملموسة في وجود نموذج مثالي وفريد في العلاقة بين رئيسي وشعبي دولتين عربيتين ومسلمتين إنّهما تونس وسوريا. أكّدت الأحداث والمستجدّات على مرّ السنوات الأخيرة أنّه وعلى الرغم من تطورات إقليمية ودولية وعربية عديدة فإنّ مسار العلاقات الثنائيّة بين تونس وسوريا تزدادُ نموّا وتصاعدا من فترة إلى أخرى، لم يُثنها عن ذلك التقدّم وذلك التطوّر أيّ نوع من تلك الصعوبات المتأتية عن التغيّرات المتسارعة في معطيات العلاقات الدولية والمواقف حيال الكمّ الهائل من القضايا والملفات والمشاغل التي باتت تشغلُ الدول وقادتها خلال العقدين الأخيرين. ظلّت السياسات التونسية والسورية وبرعاية الرئيسين بن علي وبشار الأسد مُتقاربة ومُتجانسة بخصوص مختلف تطورات الأوضاع العربية والإقليمية والدوليّة وكانت سُنّة التواصل الدائم والاستشارة والعزم المشترك على تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز أوجه التعاون والتضامن بين شعبي البلدين عناوين مميّزة لتلك السياسات المبدئيّة التي قطعت خطوات هامة جدّا. وكان لزيارة الرئيس الأسد إلى تونس سنة 2001 ومشاركته في القمة العربية التي عقدت فيها عام 2004 ومشاركة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في قمة دمشق عام 2008 أكبر الأثر في تعزيز وترسيخ العلاقات الثنائية في المجالات كافة، إذ وإلى جانب التوافق السياسي وتوحّد مرجعيات النظر والرؤية خاصة حيال القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينيّة ومسألة السلام في الشرق الأوسط وتجاوز التجاذبات العربية العربية تعكسُ اليوم مؤشرات التبادل التجاري والاقتصادي على وجه الخصوص بين تونس وسوريا نهضة متواصلة على درب التطوير وفتح الآفاق المستقبليّة الواعدة مثلما أبرزت ذلك اجتماعات آخر لجنة عليا مشتركة بين حكومتي البلدين انعقدت في تونس خلال شهر مارس المنقضي وانتهت إلى التوقيع على عدد هام من اتفاقيات التعاون والشراكة، وتجمع حاليا بين تونس وسوريا أزيد من 150 اتفاقية في مختلف الميادين الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والسياحية والمعارض والأسواق الدولية وتبادل المنتجات والسلع الوطنية، وتشير المعطيات إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ العام الماضي أكثر من 37 مليون دولار مقابل 25 مليون دولار عام 2008 ووصل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري إلى نحو 15 مليون دولار. إنّها مؤشرات حقيقيّة عن الإمكانيات المتوافرة لدى الجانبين وبحسب مراقبين عديدين فإنّه يُمكن الاستفادة وبصورة أفضل من الأرضية المتوفّرة بفضل حرص رئيسي البلدين للوصول إلى تبادل تجاري واقتصادي أكبر وعلاقات شراكة أعمق في مختلف المجالات بما يحقق مصالح وتطلعات البلدين المشتركة... إنّها تطلعات مفتوحة على الأمل والانتظارات الكبيرة... تطلعات ليس لها سقف ولا حدود في ظلّ علاقات أخويّة مثالية ونموذجية.