من بائع أوراق يانصيب الى أديب واعلامي لم يكن يعلم ان موهبته هي ورقة الحظ التي قادته الى إبداع ثلاث روايات أوّلها «موسيقى الرقاد» وأربع عشرة مجموعة قصصية خلال مسيرة تجاوزت عدة عقود تراوحت بين الممارسة الادبية والممارسة الاعلامية بين المجال الصحفي والمجال التلفزي هذا هو الاديب زهير جبّور نموذج المثقّف السوري التقته «الشروق» خلال زيارته الى مدينة سوسة للمشاركة في فعاليات مهرجان المبدعات العربيات فعكس هذا اللقاء عمق ثقافته وعفويته المسؤولة في حوار آثر فيه الصراحة هذه تفاصيله: ما هي الصفة الأقرب إليك: أديب، صحفي أو روائي؟ (يفكر طويلا..) أديب... كيف بدأت الرحلة مع الكتابة؟ كنت منذ الصغر في سن العاشرة تقريبا مغرما بالسينما وبعد الرجوع من القاعة أتوجّه الى البيت مباشرة لكتابة الفيلم من جديد ولم أكن أدرك في تلك الفترة أن هذه موهبة الأدب، في المرحلة الاعدادية كلّفني أستاذ اللغة العربية بمجلة حائط المدرسة وهو الذي أرشدني بعد ذلك الى التوجّه الى الأدب وتمكنت في سن العشرين من نشر أول قصة بجريدة سورية وأصدرت أول مجموعة في سن الخمس والعشرين. فلمشاركتي في حرب تشرين وفي عدة معارك على الجبهة السورية تأثير على كتاباتي التي بلغت ثلاث روايات وأربع عشرة مجموعة قصصية وظّفت فيها مختلف التجارب الفنية مع الحرص على التوازن بين الشكل والمضمون وانتقاء الافكار المتميّزة وايصالها بصفة غير مباشرة لأنني مؤمن بضرورة إعمال العقل من طرف القارئ أي أن يفكر في العمل الادبي كما يفكر في حل معادلة رياضية وعليه ان يجتهد للوصول الى المضمون وذلك بتحفيز العقل لمزيد من التفكير والخيال، طاقة يجب ان تتوفر في كل انسان فهي التي تمنحه الحرية المطلقة لذلك ابتعدت عن القالب الكلاسيكي في تقديم القصّة القصيرة واختلفت آراء النقاد في ذلك بين الثناء والفتور ولكن مهما كانت الاراء لن اتراجع عن قناعاتي الادبية فلكل أديب نظريته النقدية الخاصة بمدرسته التي ينتمي إليها. كتبت في فترات زمنية مختلفة كيف تجد الفعل الادبي في ظروفنا الراهنة؟ الأدب والأديب والقراءة وغير ذلك من هذه القضايا حاليا لا تعني الانسان العربي لأنه يفكر في لقمة العيش في ظرف اقتصادي صعب ثم ان عصر المطالعة في الوطن العربي قد تراجع كثيرا ومقولة «الكتاب خير جليس» قد خفت نورها والحلم الكبير الذي كنا نحياه مع بداية الشباب المتعلق بالتحرير تبيّن أنه مجرّد وهم، أكتب الآن لأنني أدمنت الكتابة وأحب المرأة لأني أدمنتها وقد ترجّلت عن صهوة الحصان لأركب حمارا أعرج وأنا أعرج معه ايضا وبعد ان اختلط في الأدب الورد والشوك والشذى مع العفن وغاب النقد واكتسحتنا الفضائيات المروّجة للسطحية والتفريغ وسقوط القيم، في الحقيقة أجدها معركة صعبة وربّما بحكم العصر فقدت أسلحة المواجهة ولكني لم أستسلم ومازلت أقاوم شراسة الحياة وتفتت الحلم. من تضع في قفص الاتهام ان كان هناك متّهم؟ يقولون إن المتهم هو ثورة التكنولوجيا والعصر الحديث وان المتهم هو الغزو الثقافي والعولمة وما دمنا نواجه هذه الاشياء فلماذا لا نفكر في ايجاد الاسلحة المضادة ونحن المستهلكين وليس المنتجين ونحن الذين نصفق لسقوط حضارتنا ولا نحاول المحافظة عليها او تغليفها على الأقل، بالنسبة لي المتّهم هو الانسان الذي أدار ظهره للجميل في الحياة وراح يفتش عن البشاعة ومن هنا أجد أن علينا أن ننهض قبل فوات الأوان نحن كجيل فات او اننا لم نكترث باجيالنا القادمة وسنتركها تحيي غربتها واخشى ان لا تجد بين يديها حضارة أمّة كانت مجيدة في يوم مضى. ألا ترى أن الأديب أيضا له مسؤولية في ذلك؟ المثقف بشكل عام يتحمل المسؤولية ولكن إذا بحثنا اليوم عن المثقف سنجده إما مرتميا في أحضان السلطة أو في أحضان الدولارات كي يوفر سبل العيش، نفتقر الآن في وطننا العربي للمفكر والمخطط، نفتقر للفلسفة وعلوم الحياة وقد تركنا لغيرنا هذه الاعمال كي يقوم بها نيابة عنا حفاظا على السلطة وإذا لم يتم الفرز بين المثقّف والسياسي فسوف يبقى الحال على ما هو عليه. ماذا قدّمت كتاباتك؟ كتبت في المجتمع حيث رصدت حالات خاصة وكتبت في الحرب من خلال تجربتي وكتبت في المرأة لأنني من عشاقها، كتبت أشياء كثيرة من خلال رصدي لعدة حالات وأعتقد أني قد توصلت من خلال تجربتي الى فهم جزء من الحياة وما قدّمته في القصة القصيرة كان مجمل تجاربي الحياتية من طالب يعمل في سن مبكرة ببيع أوراق اليانصيب ونادل في مطعم وأعمال أخرى الى كاتب لا أدري ما هو تصنيفه الى حد الآن ولا يهمني الأمر. أنت أديب واخترت ايضا ممارسة الصحافة هل في ذلك عملية تعويض أم امتداد؟ الكتابة في بلادنا بكامل الصراحة ليست مهنة ولا تحقق الربح المرجو لذلك يلتجئ الاديب الى مصدر رزق وقد تكون الصحافة الأقرب اليه وقلائل من عاشوا من أدبهم في العالم العربي أي أن تجربة نجيب محفوظ لن تتكرر ودور النشر يهمها الربح المالي وتحويل العمل الادبي الى سيناريو تلفزي او سينمائي يحتاج الى قرار سلطة او استجداء منتج او التنازل عن قيمة الأدب لذلك اللجوء الى الصحافة بمبالغها القليلة أفضل من أي عمل آخر.