هل تستطيع جميع الحروف والمفردات أن ترتقي الى قطرة دم تدخل الى جسم جريح ينزف أو تلامس ضفة واحة ممتدة لتهب الحياة لكأس هشيم، ودقائق تمضي وجراح معطرة برائحة الموت، وأناملي مخضبة بخرير الدواء تضمد ما بين مد ونزيف. قد تركت كل شيء الى حين وجهزت روحي وهي تضمخ بالامان، فتنفست شعورا طيبا يلفني، وذكرى تشاغبني. كنت أمشي في زقاق منسي صلب الارضية، كنت أمشي الى ما تتركه قدماي من أثر يوم بنيت عشا فوق ظهري وانحنيت، ويتراقص الشعاع الى فجر سرمدي، فيرتسم عبقا في سويدائي فتختزل أمنياتي ويبطئ الزمن، ولن أستطيع التأمل الى تفاصيل حياتي. يزحف المساء رويدا، رويدا والشارع قد اكتساه لون برنزي. كانت الافكار رسولا مني لتبلغه نداءاتي، وأنين آهاتي. اتكأت على العمود الكهربائي والخوف يتمطى في عطاف قلب أثخنته رماح القهر واتسعت مساحات الالم والحرقة في مخيلتي فتبعثرت آخر حبة الصبر القويم، وأنا أرى هامة تتقدم إليّ برائحة حلم الماضي. هناك، هناك يقف فوق ربوة على شفاف الزقاق المنسي وراءه تلال ومن وراء التلال سراب الى ما لا نهاية بقيت منبهرة، شعرت بالوهن، لا وقت للذكريات والحنين، عليّ أن أترك الاحزان الى حين. قد هزني فرح هتف بداخلي غدا هو يوم عيد لكني أراه متمسكا بحبل متين تنسمت ريحه الطيبة وقد شع نور بي، فرأيت كل ما هو حولي يضيء، أهفو الى الفرح، أنثره... أنشده... أعزفه... أنزفه... وكأن أجنحة الاحلام حامت فحالت بيننا... أسفي على نفسي الحائرة وقد أهداني إياه ذات خريف محزن، ممطر، عاصف، ومضى مخلفا لي بداخلي معاناة وسراب وتراتيل عشق، وانسابت دموع بدون استئذان ورأسي يطأطئ لصاحب الجلالة تجمدت في مكاني، أرفض هدأة الرقاد، والمشاعر تنساب فياضة اليه، يرمرم باطني، يلفني، يدثرني، يجعلني طير حمام شعاره بياض ناصع. ودقة الاجراس لي محاولة إخراج قلبي بيدي وقد تغير فجأة، فأصبح منتميا للون التراب، وغاص في أعماقي بسؤال: أتبكين؟ فناحت أعماقي، دنا على سمعي صوته، سامحيني، ما استطعت أن أكون... ما استطعت ان أكون مداسا... فتسحقين بقدميك شراسته، فتعلق الاشواك بي وتدميه، فيخطب بحناء الوجيعة. آسف عزيزتي، آسف حقا. قلت: أتراك فعلا قد شعرت بوجعي؟ لما ألقيتني إذا في لجاجه دون مقدمات؟ يا... لماذا إذن؟... وشعرت بجسدي يقشعر، فأنخلع قلبي رعبا بمعزوفة الحب المقدس عندما يرتدي الجسد فيض الروح بالحب. عندما ينعتق إشراقا للسر الخالد، وتقتل الفاني فيك. حينها تعلم أن الروح سكن منها، وقد ابتلعت ملامحه في العتمة، ولي به عشق دون رياء. سؤال حيرتي قد وجدت له جواب، ربما... ربما... ما كاد جرس الهاتف يرن حتى ألفيتني متحفزة لرفع السماعة: ألو، ما حال مريض غرفة العناية المركزة؟ حان الوقت أن نجهزه من جديد لكشوفات وفحص مدقق قبل انتهاء عملنا، وتسليم العهدة للفريق المناوب. لطيفة الشابي المستشفى الجهوي