كان عبد القادر يظهر وجهه من تحت لحافه الأخضر ليصدر زمجرة حيوانية بصوت خشن مخيف وقد شدّت رجلاه جيدا بحبل سميك فيما شدّت يداه الى مربط حديدي بالحائط. أما زياد (المعوق الثاني).. فقد كان طليقا يتجوّل في ارجاء المنزل لأنه قد تناول دواءه مسبقا لكنه الى ذلك كان يرسل أحيانا بعض الأصوات الغامضة والنظرات المخيفة.. بقايا خدوش على يديها، جرح غائر برجلها، آثار كدمات عنيفة على عنقها وعينيها الحزينتين المنتبهتين لكل حركة من أحدهما.. وعلى جبينها رسمت ذكرى أليمة لحادثة قديمة تسبب فيها المعوقان عبد القادر وزياد. هي الخالة سعاد التي ناضلت طيلة 30 سنة من أجل ابنيها المريضين تقول «نعيش منذ سنوات عديدة في معاناة نفسية ومادية قصوى فنحن 21 شخصا في منزل واحد متواضع جدا ومرض مستديم لشخصين منهم (تعود بذاكرتها الى الوراء) وضعتهما بشكل غير طبيعي وما ان بلغا عمر الست سنوات حتى أصبحا متوحشين ويتصرفان كالحيوانات كل ما يفعلانه هو الأكل والعنف وان لم يجدا طعاما فإن ما يعترضهما يكون مصيره العض حتى وإن كان أحدا منا». (تواصل باكية) «رغم غرابتهما أحبهما فهما فلذتا كبدي لذلك كثيرا ما أتألم لأنهما قابعان في مكان واحد، خصوصا عبد القادر (30 سنة) فهو رهين ركن صغير منذ 20 عاما». تسكت الخالة سعاد لتنهار بالبكاء مجددا فيواصل ابنها عصام القول : «المشكل هو عجزنا عن رعايتهما وتوفير احتياجاتهما الأساسية كيف لنا ان نطلق سراح عبد القادر مثلا في منزل يوجد به 8 أطفال و14 شخصا آخر». فضلات سلسلة بلاستيكية بها بقايا خبز، بعض الثمار الفاسدة فتات معجنات في أطباق حديدية وضعت على الارض، هي الطبق الرئيسي لهذه العائلة التي يتفضل بها الاجوار من بقايا عشاء الأمس او ما يعثر عليه احد أفرادها من فضلات في مصب النفايات. كوثر اخت المعوقين تقول: «كما ترون ما نأكله هو فضلات غيرنا، نحن نستطيع التحمل والصبر وقد تعودنا على الفقر والخصاصة ولكن المشكل هو المعوقان، من جهة والأطفال من جهة أخرى». تعقب الام على كلام ابنتها «ابنيّ يأكلان كميات كبيرة لا نستطيع توفيرها فنحن لا نتقاضى سوى 200 دينار كل 3 أشهر ونصف و100 دينار شهريا للمعوقين لا تفي حاجتهما في الأكل». خوف ثمانية أطفال معرضون لخطر محدق ومصابون بمرض نفسي موحد هو الجزع والخوف من الضرب او الموت على أيدي خالاهما المريضين طفل رضيع لم يتجاوز بعد 3 أشهر رسمت على ملامحه البريئة مسحة أمل في حياة مستقبلية هانئة كان قد وضع في سلة ملابس محشوة بأقمشة صوفية أسالت على وجنتيه الصغيرتين قطرات من العرق وكانت الأم قد اتخذت له مكانا عاليا (فوق منضدة) حتى لا تصله ايدي خاليه فيكون مصيره مصير أخته رنيم (3 سنوات) التي تعرضت مؤخرا الى عملية تشويه على مستوى الفم تسبب فيها عبد القادر وزياد حيث قاما بعضها بوحشية بعد ان جراها ارضا.. فوق السطح تحت لهيب الشمس الحارق خيمة بلاستيكية صغيرة، خمسة أطفال ينامون على الارض أدباش مبعثرة هنا وهناك.. هي مسكن السيدة كوثر مع ابنائها فقد اتخذت من السطح مكانا يأويها ويحفظ أطفالها مما لا تحمد عقباه. تقول: «أطفالي لا يحتاجون الا الى مسكن آخر يعيد اليهم ما ضاع من تركيزهم في الدراسة فرانيا ابنتي الكبرى كرهت المدرسة بعد ان كانت متفوقة جدا وبقية اشقائها تأثروا نفسيا من شدة الرعب حتى أصبحوا لا ينامون هادئين كبقية الصغار». رانيا ابنة كوثر (14 سنة) بدت طفلة ذكية، مستوعبة لواقعها حالمة بغد أفضل قالت لنا باكية: «منذ ان كنت صغيرة وأنا أحلم بأن أكون طبيبة لكني اليوم أصبحت احلم بمنزل ينتشلني وإخوتي من براثن الخوف الدائم ويعيد إلينا الأمل في تحقيق أحلامنا..». في الخارج كان الحي شاغرا من اي حركة او ضجة أطفال يمرحون وقد يكون السبب في ذلك هو تسرب الخوف من منزل هذه العائلة الى العائلات المجاورة..