ما الأسرار الجديدة التي أفشاها موقع «ويكيليكس»؟ وما القمر السرّي الذي أشار اليه باصبعه؟ ولماذا تثور ثائرة البعض الى هذا الحدّ، بينما يؤكّد البعض الآخر أنّ القضيّة مفتعلة؟ لم يبدأ الأمر مع نشر أكثر من تسعين ألف وثيقة على شبكة الأنترنات.. بل بدأ مع وصول هذه الوثائق الى ادارة موقع «ويكيليكس» الالكترونيّ.. التي قامت بعرضها على ثلاث صحف كبرى تنتمي الى ثلاث دول (نيويورك تايمز والغوارديان ودير شبيغل).. وبعد التحرّي والتحقيق والتدقيق تمّ نشرها بالتزامن في أكثر من قارّة ممّا منحها مصداقيّة وحضورًا غير مسبوقين. الوثائق تغطّي وقائع الحرب الأفغانيّة من جانفي 2004 الى ديسمبر 2009.. وهي صادرة في الأغلب عن السفارة الأمريكيّة في كابول.. وهي في معظمها بيانات عن حقائق الميدان بما فيها من خسائر وجرائم وكوارث انسانيّة، يتمّ التداول في شأنها بين قادة البنتاغون وجنود الساحة، قبل أن يتمّ صقلها واعادة صياغتها في تقارير صالحة للنشر.. الغريب في الأمر أنّ أغلب التعليقات على تسريب هذه الوثائق لا يهتمّ بمضمونها بقدر ما يهتمّ بموضوع التسريب نفسه.. فهي لا تقول عمومًا الاّ ما يعرفه الجميع: انّ جرائم حرب كثيرة تُرتكب باسم الحرب على الارهاب، وانّ الجوار الأفغانيّ غير محايد، وانّ الأمريكان يتفاوضون مع خصومهم من خلف ظهر حلفائهم.. وقد قال الرئيس أوباما نفسهُ انّ هذه الوثائق «لا تكشف أي جديد حول النزاع في أفغانستان».. فلماذا لم يمنعه ذلك من الاشارة الى أنّ في الأمر خطرًا على الأمن القوميّ الأمريكيّ؟! ما الخطر من الكشف عن تقارير لا تكشف عن أيّ جديد؟ هل هو «طابعها الخام» الذي منحها نكهة الفضيحة والاثارة؟ أم هو اندراجها في سياق عمليّة تسريب محسوبة، لا يُراد لها أن تفقد مصداقيّتها؟ ليست هذه أوّل ضربة مدويّة تصدر عن موقع «ويكيليكس» الالكترونيّ.. فقد عُرف هذا الموقع منذ تأسيسه سنة 2006 بتمرّده على «بيت الطاعة» الذي يُحكم قبضته على أغلب أجهزة الاعلام الأمريكيّ والغربيّ حين يتعلّق الأمر بمصلحة الحلف السياسيّ الاعلاميّ المقدّس بين لوبيات المال والنفط والسلاح! وقد اكتسب هذا الموقع مصداقيّته من اصطدامه بالحكومة الأمريكيّة.. معرّفًا نفسه بأنّه «وكالة استخبارات الشعب» في مواجهة «وكالات الاستخبارات الرسميّة».. الاّ أنّ هذه المصداقيّة تظلّ نسبيّة وتظلّ في حاجة دائمة الى الاثبات.. فليس من المستبعَد أن تصبح «ورقةً» تلعب بها الجهات الرسميّة حين تريد اختبار ردّ فعل جهات معيّنة، عن طريق تسريب أخبار أو معلومات!! وأيًّا كان الأمر، فانّ من العيب أن يتمّ الصمت عن جوهر الموضوع، أي عن مضمون هذه الوثائق، بما تفضحه من سقوط أخلاقيّ وعبث بالقوانين الدوليّة التي وُضعت أساسًا لاداراة علاقات البشر عند الأزمات والحروب. الاّ اذا كان لابدّ من اساءة الظنّ، والانخراط في ما يُطلق عليه الأبرياء اسم نظريّة المؤامرة، كي نفهم أنّ المقصود من العمليّة كلّها ما ألمح اليه السيّد أوباما نفسه، حين قال انّ في مضمون هذه التقارير «ما يبرّر تغيير استراتيجيّته الأفغانيّة منذ ديسمبر الماضي»! ممّا يجيز طرح السؤال: هل يُراد لهذه التقارير أن تكون «اصبعًا» تشير الى القمر؟ وهل يُراد لنا أن نكون «حمقى» لا نرى الاّ الاصبع؟