أرتجف عندما نلتقي، ربما يهرب قلبي الى الفرح، ولكن الكلام الذي كنت أرتبه يهرب أيضا كما تهرب أنت. الآن لدي كلام كثير. سأحكيه، حالمة ألا تمر عليه، مسرعا متهكما كعادتك. هل يمكن أن تتوقف لتفهمني ولو للحظة، أنا التي تعيش الانهيارات كاملة، وحتى انهيار للحياة ذاتها، تلك العظيمة المستحيلة. اننا، أو أنني أعيشها، لا لأنني ضعيفة فقط، بل لأنني أملك حساسية ربما تكون زائدة عن حدها، ربما تكون مرضا، ولأنني أيضا أملك الكثير من الأنا لكي لا أسقط من تعب الحساسية المرضي. ها أنا أعي هذه الحقيقة، حقيقة كوني أريد أن تمر العوالم من خلالي، ولذا يأتيني السؤال مرا رغم بساطته، كيف أتعامل مع الآخر؟ والآخر الذي أحب خصوصا؟ كيف أصوغ علاقتي معه؟ كيف يقبلني ولو لفترة، ولأسمها فترة نقاهة لذاتي المتعبة؟ كيف أحملك أن تبقى؟ أن تبقى معي رغم سعالي اللئيم المتواصل؟ هل أكتب الآن بدلا عن الاجابة؟ أكتب لأمنع الانهيار؟ وحين لا تأتيني الكتابة، هل أركض نحو الخارج معلنة صرختي؟ وغضبي؟ واختناقي؟ متخيلة أن العالم يحتمل الصراخ، مع أن أذنيه قد صمتا من الصرخات المستمرة لأناس مثلي. أو ربما من صرخاته هو. أتكئ كثيرا على الخارج، ذلك لأن داخلي منهك، مكسور، ممزق، بحاجة الى حنان ورعاية ، ربما تكون موجودة، أو لن تكون. أنت تعرف ذلك، تعرف وترفض قبول أن الطفل القابع في داخلي العصبي المشاكس المشاغب، لا يمكن لجمه، كيف ألجم نفسي وأعلنها على الملإ؟ كاذبة أو مهذبة؟ كيف أعلن صرامتي وقتلي لمشاعري؟ قتلي لطفولة ما زالت تجتاحني دون أن أستطيع اللعب معها؟ ودون أن أملك مفاتيح قيادتها؟ أنا المرأة الطفلة، المرأة المنهكة، المكسورة الجناح، المبعثرة الزجاج، المليئة بالأحزان والخطايا والطموحات، المرأة التي لا يسمعها أحد، أو ربما المرأة التي لا تعرف كيف توصل صوتها. أنا المرأة التي تجلس على درج الأيام المنفردة، وحيدة في أقصى الزاوية، أقصاها تماما، والتي ترحل الورود من يدها، والأحلام من قلبها تنسحب بهدوء سري، أو عصبية مطلقة، رماد الأيام يهرب بين أناملي التي لم تتعود فن الامساك، بتوترها الدائم، وارتجافاتها المستمرة. أنا المرأة التي تفتح نفسها ورقة بيضاء بسذاجة مطلقة. فلا تجد أخيرا الا السواد، معلنة نفسها فوق بياض الورقة، لا تجد الا ما حفرته الطفولة على جدران الروح ، ها أنا الليلة امرأة، طفلة، ساذجة، مشككة، حقودة، حزينة، متعبة، طيبة، منهارة، بسيطة، حادة، نزقة، مهادنة، متهورة، معقدة، وحيدة، مستسلمة، امرأة التناقضات الصعبة، ها أنا الليلة وحيدة منفردة وبلا أحد. أعلن اعترافي، منسحبة ببطء الى القرارات المكتوبة لدي، القرارات المعدة لي، القرارات التي تأتيني فألتقطها خائفة وقابلة. ها أنا التي تعرف ذاتها، ولا تعرف كيف تمسك بهذه الذات. ها أنا، وأنا.. علي أن أقدم على عمل ما لا يقرره غيري، عمل لا أندم عليه أبدا، علي الآن أن أبدأ.. وفجأة في هدأة الليل، في هدأته تماما، في تلك الغرفة البائسة، انبثقت بقعة دم صغيرة، من رأس سقط فوق الورقة، ربما حاد قليلا عنها، لكنه سقط فوق جزء منها، فوق جزء من بياضها، والذي لم يعد أبيض بسبب رذاذ الدم المتناثر.