انعقدت أوائل الشهر الجاري الجلسة العامة الدّوريّة لاتّحاد الناشرين التونسيين، وتمّ فيها كما جرت العادة استعراض نشاط الهيئة المتخلية وانتخاب أخرى للفترة المقبلة. وكان قد أعلن سابقا عن تغيير موعد الجلسة ليجد السيد وزير الثقافة فسحة من مواعيده للإشراف عليها، ومع ذلك لم تسمح له مشاغله الكثيرة بحضور المؤتمر فكلّف من ينوبه. كذلك لم يمنح ذلك التّأجيل الهيئة فرصة إضافيّة لتزيد من تحفيز مشتركيها، وحثّهم على الحضور المكثّف للتناقش في قضاياهم العالقة، رغم ما أرسلت من رسائل، وما أجرت من اتصالات هاتفيّة. فالأرقام التي سمعتها في الجلسة أشارت إلى أن نصف الأعضاء لم يسدّدوا اشتراكاتهم السنوية ( وبعضهم لسنوات عديدة) فلا يحقّ لهم بالتالي حضور المؤتمر، أما الذين دفعوها ومن حقّهم النقاش والتصويت فلم يحضر إلا نصفهم(زائد واحد)، مما أعطى الجلسة صبغتها القانونية، ولكن لم يمنحها تمثيلية كاملة، ولم يعمّر فراغا كان واضحا في القاعة. بل إن بعض من قرّر الاتّحاد تكريمهم من قدماء الناشرين لم يتواضع فيحضر، وبقيت الميدالية الهديّة تنتظره على مكتب الهيئة، بينما اعتذر مكرّم ثان عن الحضور وأرسل نائبا عنه . لا يمكنني من خلال ما شاهدته إلا ملاحظة ارتخاء واضح في علاقة اتحاد الناشرين من ناحية بالجهات الرسمية ممثّلة في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، ومن ناحية أخرى بأعضائه الناشرين من القدامى والجدد، مما يجعلني أتساءل : كيف يمكن للاتّحاد بغير الاستناد إلى العنصرين اللذين ذكرتهما تحقيق أهدافه، بل قضاء أبسط غرض من أغراضه؟ فلما صارت حاله إلى ما هي عليه اليوم ...هل دخل اتّحاد الناشرين عهد الشيخوخة ولم يمض من عمره إلا 25 عاما؟ أم أن الرّجال الذين قاموا عليه وأداروه في فترات مختلفة لم يعطوه ما يكفي من الجهد والعمل؟ أم تراهم لم يوفّقوا رغم اختلاف مواهبهم وإمكاناتهم إلى تحقيق أهدافه، وتجاوز عثرات الطّريق؟ بنظرة إلى الوراء نجد أن اتّحاد الناشرين الذي بعث يوم 16 أكتوبر عام 1985 في صيغة جمعية ثقافية مهنية تخضع لقانون الجمعيات المؤرّخ في 7 نوفمبر 1957 قد رسم لنفسه تحقيق الأهداف التالية: رفع مستوى الكتاب وتقديم الاقتراحات المناسبة لتدعيم حركة النشر. التعريف بالمنشورات التونسية داخلا وخارجا. مساعدة العاملين في قطاع النشر على إنجاز مشاريعهم. تمثيل الناشرين في المؤتمرات والندوات. الدّفاع عن حقوق الناشرين ومصالحهم المادّيّة والأدبية. الإسهام في تنظيم العلاقات بين كافّة الجهات المعنيّة بإنتاج الكتاب. ويظهر أن وزارة الثقافة التي حثّت على إنشاء الاتّحاد، حتى أنه ولد في أحد مكاتبها، ثمّ رعت خطاه الأولى عندما كان عدد المؤسسين الأوائل لا يتجاوز أصابع اليدين، أرادته أن يعتمد على نفسه ويشقّ البحر وحده فيما بعد، خاصّة وقد تضاعف عدد أعضائه وتكاثروا. لكنّما الهيئات المتعاقبة رغم ما بذلت من جهد لم تحقّق من الأهداف المرسومة، ومن توصيات المؤتمرات المختلفة سوى النّزر اليسير الذي لا يتعدّى حلّ بعض المشاكل الظّرفية الطّفيفة، دون ذهاب إلى عمق الأشياء وجوهر الأمور. وليس هذا بسبب تقصير الأعضاء، وإنما نتيجة للضعف الهيكلي الذي انبنى عليه الاتحاد بصفته جمعية ثقافية تعارفية، تؤطّر النّاشرين، وتحثّهم على التّعاون دون أن تكون لها قدرة على إعانتهم هي ذاتها. أما بالنسبة للإدارة فلم يكن للاتّحاد سوى دور استشاري غير ملزم، جرّب ذات مرّة أن يتجاوزه بأخذ نصيب في توجيه مسار معرض الكتاب، فوضع له خطّ يجب الوقوف عنده. إن تمكين اتحاد النّاشرين من مقرّ في إحدى دور الثقافة، ومنح تذاكر سفر لمندوبيه في المعارض الدولية، ووجود ممثّل عنه في بعض اللجان الاستشارية، لا يحلّ المشاكل الجوهرية التي يعرفها كافّة الناشرين لكثرة ما وقع ترديدها في الاجتماعات والمؤتمرات وتحبيرها في التقارير و العرائض (كالمعرض، والكتاب المدرسي، والشراءات، والمجلس الأعلى للنشر، والتوصية بالنشر وغيرها..)، وجميعها مسكوت عنه، مؤجّل إلى مواعيد لا إشارة تدلّ عليها في الأفق . فهل حان الوقت لكي يطوّر اتّحاد الناشرين التونسيّين نفسه، فيرتقي من جمعية علاقات عامّة إلى جمعية مهنيّة مطلبيّة، أو يتحوّل إلى غرفة نقابية تستند إلى هيكل مهنيّ عتيد هو اتّحاد الصناعة والتّجارة، وتكون عنصرا هامّا في جامعة تضمّ كل العاملين في قطاع الكتاب، صناعة وتجارة؟ أم تراه سيسلك أسلوب الكتّاب الذين تركوا اتّحادهم يهتمّ بإقامة حفلات التكريم والأربعينيات، أو بتنظيم السّفر إلى الندوات والملتقيات في الخارج، وأسّسوا إلى جانبه نقابة منضوية تحت الاتّحاد العام التونسي للشّغل، عساها تحقّق لهم ما عجز عنه اتّحادهم لضعف وسائله، وتعينهم على تجسيد مطالبهم الاجتماعية، وضمان آفاق أوسع للعمل المجدي والنّاجع؟