تعرّض الناشر في الجزء الأول من مقاله حول حلول لمشاكل الكتاب وموانع تقدمه الى الناشرين الخواص وتشخيص أحد أسباب عدم التحاقه باتحاد الناشرين الخواص وتشخيص أحد أسباب عدم التحاقه بأسماء الناشرين ويشرح في هذا الجزء الثاني تخلفه عن الانضمام للاتحاد وتشجيع النشر في مسائل أخرى نكتشفها خلال هذه السطور: أما السبب الثاني لعدم التحاقنا، فهو إيماننا العميق أن اتحاد الناشرين هذا لا يمكن أن يدافع عنا، فعلى مدى الفترة التي كنت أبحث فيها عن امكانية للتمتع بمنح الدولة وامتيازاتها، لم أسمع أنه كان يحاول أي شيء من جهته. وأكثر من ذلك ما وقع هذه الأيام بمناسبة انتهاء الاستشارة وظهور الكتاب الذي أشرنا إليه. فقد ورد في الصفحة 11 منه ضمن جملة المكاسب التي تحققت بعد: «إضافة نشاط نشر كتاب إلى قائمة أنشطة الصناعات الثقافية المنصوص عليها بمجلة تشجيع الاستثمارات قصد تمكين قطاع النشر من الانتفاع بالامتيازات المنصوص عليها بالمجلة». هذه جملة واضحة وتعني بساطة أننا نستطيع بعد الحصول على امتيازات الدولة. ولكنها مع الأسف خاطئة، لأن الكثير من المسؤولين لا يعترفون بعد بأن الكتب صناعة ثقافية، والقوانين التي تخول لنا التمتع بتدخل صندوق ال FOPRODI والمنح التي تسند إلى المشاريع المنتصبة بالمناطق ذات الأولوية، غير موجودة بعد، وقد كنت تحدثت عن ذلك في المقال المشار إليه (انظر وسط العمود الأخير). وإن كان أعضاء اللجنة الوطنية للاستشارة حول الكتاب ربما معذورون عندما مرّروا هذه الجملة، لعدم علمهم أنها غير مفعّلة، فإن السيد ممثل اتحاد الناشرين غير معذور. وإن كان هو يتمتع بامتيازات الدولة فليقل لنا هنا على صفحات هذه الجريدة كيف فعل حتى نقتدي به. وهذا يرجعنا إلى ما قلناه من أن هذا الاتحاد لا يدافع عن عموم الناشرين، وكنا نتمنى لو أن اللجنة الوطنية لم تكتف به، هذان السببان اللذان تحدثت عنهما واللذان يمنعان التحاقي أنا والعديد من الناشرين بهذا الاتحاد كنت ذكرتهما في معرض مراسلة لي قديمة إلى الاتحاد الدولي للناشرين. وكان من ضمن ما أجابت به السيدة سيندي شيرر Cindy Scherrer وقتها باسم الاتحاد الدولي أن لا فرق لديهم بين مؤسسة صغيرة ومؤسسة كبيرة. أعود إلى اللجنة الوطنية وما ورد في الصفحة 9 حول منهجية الاستشارة حيث نجد هذه الجملة: «استثنت اللجنة الكتاب المدرسي والموازي له من محاور الاستشارة حول الكتاب..» وذلك جيد ولكن ألا يعلم المسؤولون أن أغلب انتاجات أعضاء اتحاد الناشرين من الكتب الموازية، ومن غير المنطقي إذن أن يكونوا طرفا في هذه اللجنة! سأبقى في هذا المربع أراوح بين اللجنة والاتحاد، وسأتحدث عما ورد في الصفحة 27 حيث ذكر ما يلي: «تشجيع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في مجال النشر». هذه التوصية تبدو عامة شيئا ما، ولكن إذا كان المقصود بها التفويت في انتاج الكتب المدرسية إلى القطاع الخاص، فإن ذلك لا يبدو لي اجراء مصيبا على الأقل الآن. وكناشر وكمواطن تونسي فإني أعترض عليه لسببين: الأول، أن الدولة تبقى هي الضامن لاعتدال السعر والجودة خاصة أن هذه مادة حساسة وغلاؤهها يحرم الكثيرين من ذوي الدخل المحدود من الاستفادة منها ولا حاجة إلى التذكير بأن الحرمان من المعرفة يوصل إلى دمار الأمم واندثارها. أما السبب الثاني فلأن هذا الاجراء لو تم الآن وفي هذه الظروف فلن يستطيع المشاركة فيه إلا بعض دور النشر التي مكنها اشتغالها بالكتب الموازية من تكوين رأسمال مقبول، أما الأخرى فلن تستطيع لفقرها ومحدودية مواردها، وذلك تفريق نتمنى لسلطة الاشراف لو أنها تنأى بنفسها عنه. وربما إذا تمّ اقرار التوصيات الواردة بهذا الكتاب، فإن ميدان النشر سيصبح أكثر اعتدالا ويصير الدخول في مناقصات الكتب لمن أراد وليس لمن استطاع. وبذلك تكون العلاقة بين سلطة الاشراف وعموم الناشرين مفعمة بالثقة لأنها تستند إلى الديمقراطية والشفافية. أيضا هناك نقطة يمكن أن تكون خطيرة فتفسد كل شيء، إذ أن الحديث عن تشجيع النشر ودعمه يهم دور النشر المهنية، فمن هي الدور المهنية؟ تلك التي تتطابق مع تحديد اتحاد الناشرين وإذن يا خيبة المسعى وخيبة الحلم. أم التي تتطابق مع التحديد الطبيعي الذي يعتمد فقط على التزام الناشرين بمهنهم.أحب أن أشير في سياق هذا، ما دمنا في لحظة صفاء، الى نقطة هامة لاحظتها في كراس شروط مؤسسات النشر قديم 2001، حيث يشير الفصل 11 و12منه إلى وجوب أن يكون لدار النشر مقر ظاهر لائق به مواصفات معينة، وهذا في زمن الهاتف الجوال والحاسوب المحمول والأنترنات. إن رجل الأعمال اليوم يستطيع أن يسيّر مؤسسته من خلاء الصحراء ومن الغابة ومن مكان قصي على أحد الشطآن الجميلة. وإن أهم شيء حسب رأيي هو أن يكون لرجل الأعمال هذا عنوان مخابرة معلوم ومضمون وقار، حتى تتمكن سلطة الاشراف أو المراقبة المالية من الاتصال به عند الحاجة. أما ما عدا ذلك فسيأتي بطبيعته إذا توفر التمويل وأزيحت العراقيل كلها. وليس أحب على قلوبنا من أن تكون لنا قلاعنا الجميلة. مسك الختام ذُكر في الأثر أن واحدا من أبناء هذه الأرض الأمازيغية، اسمه أبولاي Apulée، ولد سنة 125م بالمغرب في ما كان يسمى ب«مادور» ودرس فيها ثم جاء الى تونس ودرس في ما كان يسمى ب«قرطاج» وأكمل تعليمه في أثينا حتى غدا من ألمع أهل عصره في البلاغة والفلسفة، وكان أول من كتب الرواية والنثر. ورغم أنه كان يتكلم اللاتينية ويكتب بها، ولأن قلبه كان حرا، فقد كان من أشد المتشبثين بأصله الأمازيغي. اليوم، وبفضل هذه التوصيات التي نتمنى أن تصير قرارات، وإذا سارت أمورنا كما نتمنى، ربما يصبح بإمكاننا أن نسترجع مبدعينا وأدباءنا وعلياءنا، ونسترجع مساحتنا ومكانتنا في هذا العالم الذي كنا من كتبة سفر تكوينه. بقلم الناشر الاستاذ المنصف قفصاوي