تقاطر بعض وزراء خارجية اوروبا على تركيا ...والحديث المعلن هو عن انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي وهو مسعى شد عزائم الحكومات التركية السابقة ولم تلغه حكومة العدالة والتنمية بزعامة رجب الطيب اردوغان ..ومن قلب انقرة لم يتردد الزوار في تكرار مواقفهم وخاصة وزير الخارجية الالماني الذي قال ان تركيا لم تبلغ بعد درجة النضج للانضمام الى النادي الاوروبي ويعترف بها عضوا في نادي القارة العجوز... ولم تكن تركيا يوما اوروبية حيث انها دولة اسلامية بالاساس متعددة الاعراق والثقافات منذ الامبراطورية العثمانية التي سيطرت على مساحات شاسعة في شرق الارض وغربها بل كانت في صراع شبه دائم مع عدد من الشعوب الاوروبية التي قاتلت للخروج من سلطنة العثمانيين قبل ان تتلقى السلطنة الضربة القاتلة باشتراكها مع الالمان في الحرب العالمية الاولى ..كما ان الجمهورية التي اقامها مصطفى كمال في عشرينيات القرن الماضي لاتملك الا 3 في المائة من اراضيها على القارة الاوروبية.. لكن اتاتورك كما نعرف بذل كل ما استطاع لاخراج تركيا من ثوبها الاسلامي وإلحاقها بالغرب ..وسار خلفاؤه على خطاه فضموا تركيا الى الحلف الاطلسي منذ نشأته وفيه كان الجيش التركي ثاني اقوى الجيوش بعد الجيش الامريكي وكانت هضبة الاناضول سدا اطلسيا منيعا في مواجهة الامبراطورية السوفياتية.. وبعد سنتين فقط من نشاة المجموعة الاقتصادية الأوروبية أو السوق الأوروبية المشتركة بموجب معاهدة روما في مارس 1957 من طرف ست دول اوروبية (فرنسا وايطاليا والمانياالغربية ودول البينيلوكس أي بلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ) طلبت تركيا الانضمام اليها (1959) ووقعت معها اتفاقية ارتباط...وتطورت السوق الاوروبية الى اتحاد اوروبي فطلبت تركيا الانضمام اليه رسميا عام 87 وانتظرت ثماني سنوات لتصبح عضوا في اتحاده الجمركي..لكن جدلا كبيرا حصل بين كبرى الدول الاوروبية حول قبول عضوية تركيا بالرغم من توسيع الاتحاد ليشمل سبعا وعشرين دولة بعد انضمام الدول الشرقية اثر انهيار المعسكر الشرقي.. وكانت المانيا ومثلها اليونان في طليعة المعارضين للانضمام الذي لو حصل لجعل تركيا ثاني أكبر عضو في الاتحاد من حيث عدد السكان ( في حدود 75 مليونا) بعد المانيا بل ستكون العضو الأول في الاتحاد من حيث عدد السكان بحلول عام 2015م ..وبموجب تنظيم الاتحاد يمكن هذا العدد تركيا من عدد أكبر من الممثلين داخل البرلمان الاوروبي ويجعلها من الأعضاء الفاعلين فيه، وبالتالي تتحول القضايا الإسلامية في تركيا إلى قضايا أوروبية نظرًا إلى أن تركيا دولة اسلامية ...كما ان عضوية تركيا من شأنها زيادة عدد الاتراك المهاجرين إلى دول الاتحاد وسيؤثر دخول البضائع التركية الرخيصة على المؤسسات الاقتصادية للاعضاء الآخرين... ولتعطيل العضوية وعرقلتها تم طرح جملة من الشروط هي التي يجري التفاوض بشأنها منذ سنوات ومنها الاصلاحات السياسية في تركيا وقضية الوجود التركي في قبرص والاعتراف بما يسمى «مذابح الارمن» والخلاف مع اليونان حول جزر بحر ايجه الخ.... وقبل الاتحاد الاوروبي اقامة ما اسماه «شراكة ممتازة» مع انقرة التي لم تتردد في القول ان الاتحاد الاوروبي تحول الى «نادٍ للرجال البيض» يركز اعضاؤه على ما يسمونه مُثُل «أوروبا الأساسية» و«الأمَّة الأوروبية» والقيم اليهودية المسيحية وعصر النهضة والتنوير. واذا كانت المانيا مصرة على موقفها من رفض العضوية للاتراك فان فرنسا تحولت من موقف التفهم في عهد شيراك الى موقف الرفض الواضح في عهد ساركوزي الذي اعلن صراحة ان تركيا ليست دولة اوروبية ولا يمكنها الانضمام الى الاتحاد وهو يدرك ان دخولها سيجعلها في المرتبة الثانية بعد الالمان وقبل فرنسا وايطاليا في المؤسسات الاتحادية.وتراوح المفاوضات في معظم الوقت مكانها وتصل الشروط في بعض الاحيان الى جرح الكبرياء التركية ..ومع ذلك لم تلغ حكومة العدالة والتنمية الحالية طلب الانضمام بل ان وزير خارجيتها احمد اوغلو قال ان بلاده لا تريد خارطة طريق بل تريد الوصول الى نهاية الطريق.. والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا ترسل المانيا المعارضة وزير خارجيتها الذي لا يتحرج وفي انقرة بالذات من تكرار موقف بلاده ؟ ولماذا تكثيف الزيارات الاوروبية إلى تركيا والتركيز في التصريحات ووسائل الاعلام على موضع انضمامها الى الاتحاد الاوروبي؟ اذا وضعنا ذلك في سياقه أي في الظروف الحالية وجب علينا ان نضع في مقدمة الصورة تطور موقف تركيا ازاء القضية الفلسطينية والازمة الحادة بين تركيا واسرائيل على ضوء حصار غزة وقتل الاتراك في اسطول الحرية...والواضح ان الحديث عن العضوية التركية للنادي الاوروبي وتاكيد وزير الخارجية البريطاني على تاييد بلده لرغبة تركيا ليس الا جزرة تقدم لانقرة وربما عصا (في الحالة الالمانية) ولا شك ان كل هؤلاء الزوار شدوا الرحال في هذا الوقت لبلاد الاناضول لهدف اساسي هو وقف التردي في العلاقات التركية الاسرائيلية وخدمة اسرائيل واذا كان حجهم إلى أنقرة فان دعاءهم لتل ابيب.