تضمّن الخطاب الذي ألقاه رئيس الدولة أمس بمناسبة اختتام الندوة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية خارطة طريق من أجل تعزيز موقع بلادنا في العالم والرفع من شأنها والدفاع عن حرمتها والتعريف بمواقفها وتعزيز إشعاعها واستكشاف فرص جديدة للتعاون مع مختلف بلدان العالم خدمة لمصالحها السياسية والاقتصادية والتنموية. وما من شكّ في أنّ للسلك الدبلوماسي التونسي المعتمد في الخارج دورا محوريا وهاما في تحقيق المزيد من المكاسب لبلادنا في عالم أصبح يعجّ بالتحديات والرهانات وتداخلت فيه العديد من القيم والمعاني، ويحتاج سفراؤنا وقناصلنا دوما إلى مرجعية سياسية ومنهجية عمل دقيقة للتفاعل الإيجابي مع كلّ التغيّرات والتطوّرات الحاصلة والمستجدّة بما يعمّق الاستفادة المرجوّة ويُسهمُ في تحقيق أجزاء من الأهداف الوطنية المرسومة لكلّ فترة وهي اليوم دعم حضور تونس في الفضاءات التي تنتمي إليها عربيّا ومغاربيّا وإفريقيا وإسلاميا ومتوسطّيا وفي إطار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والتواصل مع سائر دول وفضاءات العالم، وكان السيّد الرئيس دقيقا في تعداد هذه الفضاءات والتوقّف عند المبادئ الأساسية والجوهرية التي تقُود الارتباط والتواصل معها جميعا على قواعد الاستقلاليّة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وقيم التضامن والشراكة الفاعلة، وتعتبر تونس من الدول القليلة في العالم التي تعرفُ علاقات دبلوماسية متميّزة مع كلّ الدول فعلى امتداد أكثر من 20 سنة حافظت تونس على تواصل بنّاء مع أشقائها وجيرانها وسائر الدول في هدوء وسكينة وفي تواصل مثمر وفعّال وبمبدئية نادرة وفريدة، والمطلوب اليوم من السلك الدبلوماسي أن يسعى إلى المحافظة على هذا الكسب الهام ولا يتوقّف عند ذلك بل عليه السعي إلى استنباط الطرق والسبل الكفيلة باستثمار ذلك المستوى الرفيع والجيّد من العلاقات بالشكل الجيّد والمأمول بما ينعكسُ إيجابيّا على موقع تونس وصورتها في العالم ويُغذي منابع الشراكة والتعاون في مختلف المجالات والميادين في اتجاه كل الفضاءات والدول. إنّ من أبرز مهمّات البعثات الدبلوماسية والقنصلية التونسية بالخارج اليوم هي الانكباب بجدية، مثلما دعاها ذلك رئيس الدولة، إلى البحث عن السبل الكفيلة باستكشاف فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع مختلف البلدان ومزيد الإحاطة بأفراد جاليتنا ودعم صلاتهم بالوطن وحفزهم إلى الإسهام في المجهود الوطني للتنمية، إنّها رؤية واضحة لدبلوماسية اقتصادية متحفّزة تقرأ الأوضاع الاقتصادية في العالم وتحوّلاتها المتتالية وتسعى إلى الاستفادة منها لخدمة مختلف المسارات التنمويّة في بلادنا. مع ما يجب كذلك أن يضطلع به السادة السفراء والقناصل من حميّة كبيرة تجاه وطنهم للدفاع عن حرمته وسيادته وقداسته، إذ عليهم أن لا يدّخروا جهدا للتعريف بخيارات تونس وتوجهاتها ومبادراتها الساعية إلى التقريب بين الشعوب، ومنها حاليا السنة الدولية للشباب، وما بلغتهُ من مظاهر تقدّم ونماء على أكثر من مستوى وفي أكثر من ميدان. إنّكم صورة لهذا الوطن في الخارج فكونوا أفضل مرآة تعكسُ بصدق حقيقة ما يعتملُ في بلادكم من نماء وتطوّر وحراك وانقلوا للعالم خير تونس ومبادئها النيّرة في التضامن والتسامح والاعتدال واعتماد أسلوب الحوار والوفاق، ونبذ كل مظاهر التطرف والإقصاء والعنف، وتأهّبها الدائم والمستمر للانتصار للقضايا العادلة ومنها أساسا القضية الفلسطينية التي، هي دوما في القلب، والتي قال عنها السيّد الرئيس في خطابه أمس إنّها تبقى أحد شواغله واهتماماته مجدّدا دعمهُ المبدئي والثابت لعدالتها حاثا المجتمع الدولي للتحرّك لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني مُعربا عن استعداد تونس الدائم للإسهام في كل الجهود الجدية المخلصة الرامية إلى التوصل إلى الحل السلمي المنشود في منطقة الشرق الأوسط.