السفير الامريكي في العراق كريستوفر هيل غادر بلاد الرافدين.. وصرح كسابقيه ان العراق قد حقق تقدما كبيرا خلال الستة عشر شهرا من إقامته في السفارة وأن مهمته قد انجزت بالكامل.. ورئيسه اوباما مصر على موعد نهاية أوت الجاري لما سماه «الانسحاب» للقوات المقاتلة مع بقاء 50 ألفا في 94 قاعدة (فقط)؟.. وجنرالاته مرتاحون جدا لما وصلت اليه وحدات الجيش العراقي وافواج بوليس الداخلية ( لا إشارة الى بوليس الميليشيات) من مستوى يسمح بضمان امن العراق والعراقيين ،ومثل هذا الكلام كثير.. لكن.. الاخبار التي تعصرنا من العراق تقول ان ساسة المنطقة الخضراء وما شكلوه من احزاب وتحالفات ما زالوا يتجاذبون طرف الرداء، كل يريده له وحده يستر ما يقوم به من نهب وتصفية حسابات (فترة إياد علاوي القانونية وحدها شهدت صدور اثني عشر الف حكم بالاعدام عدا التصفيات غير الموثقة والاعتقالات التي طالت حوالي 1700 مدني خلال النصف الأول من هذا العام ).. الشهور تمر تباعا منذ الانتخابات «الديمقراطية» والاحزاب تتبادل التحالفات وترفض التنازلات وكل يدّعي الحق والعصمة.. والبلد بلا رئيس ولا حكومة الا السابقين الذين يحكمون في الوقت بدل الضائع.. التفجيرات لم تنقطع والقتل على الهوية ومن دون هوية مستمر وقد طال الجميع بمن فيهم من غرر بهم لتشكيل «الصحوات» ومن حلم بحكم الشعب فترشح وفاز في المجالس البلدية والقروية.. استمرار قصف المواقع العسكرية التي احتمى بها الامريكان بحجة تسليم الملف الامني للعراقيين.. الخدمات شبه منعدمة رغم أرقام الانفاق الخيالية والمواطن العراقي مازال يواجه منذ سبع سنوات صهد الهاجرة ب 48 درجة وأكثر لان الكهرباء مقطوعة او متقطعة الانفاس في بلد يعوم على بحيرات من النفط ولم يحرم الكهرباء حتى في ظل الحصار حقبة التسعينات.. والفساد مستشر وفي النصف الاول من هذا العام احيل الى القضاء اكثر من 2200 ملف لموظفين لا يملكون جهة نافذة تتستر عليهم وتحميهم.. والاتفاقية الامنية التي حددت العلاقة بين حكام بغداد الجدد وسلطة الاحتلال والتي نصت في ما نصت على حجب المحتل الامريكي لقواته خرقت في الشهر الماضي وحده ثمانين مرة على الاقل.. أما الجيش العراقي فما صدر بشأنه لا يصدق.. المسؤول الاول (أو الرئيسي على الاقل في هذا الجيش) السيد بابكر زيباري رئيس الاركان قال انه يلزمه (أي هذا الجيش) عشرين سنة اخرى ليصبح قادرا على القيام بمهامه.. ولم يشر طبعا الى ما اذا كانت هذه العشرين سنة في ظل الاحتلال ومن ارتبط به أم في ظروف أخرى.. هكذا.. عشرون سنة ليكون للعراق جيش.. وعن أي جيش يتحدث؟ هل الذي أنشئ منذ تسعين سنة ( 6 جانفي 1921) بعد ثورة العشرين وكان أول جيش عربي.. الجيش الذي قاتل ببسالة ورجولة في حرب فلسطين 1948/1949 وفي حربي 1967 و1973.. الذي نازل الايرانيين ثمانية أعوام.. الجيش الذي وصفوه وهم يستعدون لتدميره بأنه رابع أكبر جيش في العالم.. عن هذا الجيش الذي سارعوا الى تدميره فور الاحتلال.. أم يتحدث عن الجيش «الديمقراطي» الذي ضموا اليه ميليشيا الاحزاب ووزّعوه بين الحاقدين من الطوائف وتركوا تدريبه وتسليحه بيد المحتلين.. والكل يعلم أن خطوة واحدة تكفي ليستعيد الجيش العراقي عزّه في ظرف وجيز اذا ما عاد اليه ابناؤه الذين لم ينكر أحد مستواهم العالي ومهنيتهم الفذة.. كريستوفر هيل غادر حاملا معه حقيقة الوضع المتردي ويوزع الاوهام.. ومن قبله رحل بول بريمر وهو يقول ان البلد سيكون واحة للحرية والديمقراطية.. ورحل قادة قوات وهم يقولون ان المهمة انجزت.. ويكونون صادقين لو كانوا يقصدون ان المهمة تمثلت في القضاء على عراق المجد والقوة والحضارة وأن المسيرة التي شهدتها بلاد الرافدين تحت سنابك الاحتلال هي تقدّم الى الوراء، وأنهم سلموا البلد الى ذئاب.. وأن أحلامهم ومن جاؤوا بهم ما هي إلا سراب لن ينكشف خداعه إلا يوم يعود الوطن الى المخلصين من أبنائه وهو آت قرب أم بعد.