تونس الشروق: اذا كان وضع الامريكان في العراق بدأ بما يمكن تسميته نصرا عسكريا... فان هذا الوضع تحول وبعد أشهر قليلة من احتلال العراق الى جملة من الاخفاقات والارباكات العسكرية... وتواصل التصعيد ليتحول خلال الفترة الماضية الى ورطة حقيقية وغوص في مستنقع يزداد عمقا مع مرور الوقت حتى أن عقارب الساعة العراقية بدت لا تتماشى مع نبض الاحتلال وأصبح مألوفا لدى الامريكيين استحضار ذكريات «فيتنام» وهم يتابعون ويعددون خسائرهم المادية والبشرية في العراق ويدركون حجم الاكذوبة التي أوقعتهم فيها ادارة بوش اثناء هرولتها للحرب... فما توقعته واشنطن من أفراح و»أعراس» في بلاد الرافدين تعليلا لقدوم «المحررين» تحول بعد أسابيع معدودة الى كابوس حقيقي ووجد الامريكان أنفسهم في مسلسل من الانكسارات والنكسات وتراكمت أخطاؤهم التي كشفت عن غياب خطة استراتيجية للتعامل مع هذا البلد بعد احتلاله وجهلا كبيرا بمكوناته البشرية وخصائصه الثقافية والاجتماعية... ومازاد في تعميق هذه التراكمات من الأخطاء هو مسلسل الفضائح التي بدأت بأكذوبة أسلحة الدمار الشامل وما رافقها من تضليل وأكاذيب مرورا بفضائح الفساد والصفقات المالية من تحت الطاولة المتعلقة بما يسمى بمشاريع اعادة اعمار العراق وصولا الى السرقات التي قام بها الجنود الامريكان أثناء مداهمتهم للمنازل العراقية دون ان ننسى صور تعذيب السجناء العراقيين التي تبقى بلا شك «أم الفضائح» والتي كشفت عورة الامريكيين وعرت ديمقراطيتهم المزعومة في هذا البلد... وقد يكون الآتي أعظم!! إنّ ما لا شك فيه أن هذا المسلسل من الاخفاقات والفضائح جعل الولاياتالمتحدة على حافة الهزيمة بالعراق وهو ما تجلّى بوضوح من خلال التصريحات التي يتناوب على اطلاقها كبار الجنرالات الامريكيين بين الفينة والاخرى والتي تؤكد في معظمها ان امريكا وجدت نفسها في ورطة حقيقية بالعراق بات من الصعب الخروج منها حتى أن رامسفيلد أقر بعد طول مكابرة بأن قواته تواجه فيتنام ثانية في العراق بعد أن كان الرئيس الامريكي جورج بوش نفسه اعترف بأن المقاومة العراقية ليست ارهابا وبأنه لا يرضى بأن يكون بلده محتلا بينما كان في السابق يحصر التحدي الذي تواجهه قواته بالعراق في مجموعة ممن وصفهم بالارهابيين وأعداء العراق الحر والديمقراطي كما يدعي... فما الذي دفع بوش ورامسفيلد الى قول هذا الكلام في هذا الوقت بالذات؟ إنه من الواضح هنا أن تفاقم الاحداث وتعقد المشهد بالعراق أثبتا لبوش ورامسفيلد وجماعتهما انه مهما بلغ الوهم بتصميمهم على الانتصار فلابد ان يظهروا ضعفهم في مواجهة شعب مصمم على الاستبسال ومستعد لخوض المعارك وتقديم الشهيد تلو الآخر من أجل تحرير بلاده. كما تبين لبوش وجماعته بعد مرور أكثر من عام على احتلال العراق ان شعب بلاد الرافدين هو شعب عريق صهرته الايام ووحدت بين مكوناته المحن والتحديات وتبين ان التحدي الذي يواجه أمريكا في العراق أكبر حجما وأكثر تعقيدا من ذلك «الخليط» الذي جمع فيه بوش بين من وصفهم ب»الارهابيين» و»أعداء العراق». نعم... لقد تبين لبوش وجنرالاته ايضا انه حتى محاولة اعادة صناعة الانسان العراقي بالطريقة التي تريدها السياسة الامريكية هي محاولة فاشلة وهو ما اعترف به «البنتاغون» الذي اشتكى من وجود ما يشبه «التمرد» داخل وحدات الامن العراقية التي رفضت المعارك ضد بني جلدتها وانضمت الى المقاومة بالرغم من أن هذه القوات وربما الامريكان ودفعوا لها الأموال وزوّدوها بالمعدات... وقد زاد من قتامة المشهد العراقي بالخصوص نضج المقاومة وتفجرها على نطاق واسع من الفلوجة الى النجف الى كربلاء وعدة مدن أخرى وهو ما أكد لامريكا انه مهما قويت عضلاتها العسكرية فلن يكون في امكانها هزم شعب مصمم على تحمل التضحيات... حتى النهاية. كما أثبت المشهد حتى ل»صائدي» الفتنة الطائفية أن روابط الشعب العراقي قوية وأن بوادر الحرب الاهلية التي يروّج لها الامريكان وعملاؤهم في العراق غير واردة على الاطلاق في المخطط العراقي وانما الامر الوارد هو توجيه الضربات للغزاة حتى دحرهم من أرض العراق ولو... بعد حين... بقي ان نشير هنا الى أن ذلك ربما يكون فقط فصلا من «بانوراما» المشهد السياسي والعسكري بالعراق لكن الواضح ان هذه المؤشرات وما حدث مؤخرا حول ما يسمى ب»نقل السلطة» قد أظهرت حجم المأزق الامريكي بالعراق وبينت بما لا يدع مجالا للشك تداعي القراءات الامريكية الاسقاطية... وحسابات إدارة بوش الانتخابية.