ولد شاعرنا الشعبي العربي النجّار سنة 1839م في أسرة فلاحية مما جعله غير متعلم على غرار أهل عصره إن لم تطأ قدماه «الكتاب» فعائلته لم تر سببا يدفعها إلى تعليم أبنائها ما دامت الفلاحة مورد رزقهم لذلك لم يتلقّ شاعرنا القراءة بل كان أميا مثل غيره من الشعراء الشعبيين آنذاك، فاختلاطه ببعض مثقفي عصره نتيجة علاقته الوطيدة بالعائلة المالكة خولت له أن يغوص كثيرا في أعماق مجالس العلم وأن يمتن علاقاته ببعض العائلات التونسية بالعاصمة كعائلات «النيفر» و«بيرم» و«بن عيّاد» و«بلخوجة» وغيرهم... ويعدّ العربي النجّار من مشاهير الشعر الملحون في تونس وديوانه الضخم المخطوط الذي جمع أغلبه بسعي من وزارة الثقافة يمثّل نماذج حية من تراثنا الشعبي الذي يصلح أن يكون مرجعا من مراجع التاريخ الهامة، فقد نظّم «العربي النجار» عديد القصائد في شتى أغراض الشعر من غزل ووصف وهجاء واجتماعيات ودينيات وبدع خاصة في وصف الخيل وفي وداع الأحباء، وفي الغزل الذي يسمى في اصطلاح شعراء الملحون «الأخضر». إنّ أغلب قصائد شاعرنا منتشرة كثيرا في مسقط رأسه (بلدة العالية) وقد سلّم ورثته وأصحابه الكثير منها إلى كبار الفنانين والملحنين أمثال خميس ترنان وصليحة وشافية رشدي وأيضا إلى مشاهير شعراء الملحون في ذلك الوقت. كما تغنى بقصائده الدينية أيضا الكثير من جماعات الطرق الصوفية التي عُرفت بتونس ك«السلامية» التي أسسها الشيخ عبد السلام بن سليم (14851573م) و«العيساوية» التي تنتسب إلى الشيخ محمد بن عيسى الإدريسي و«الرحمانية» التي أسسها محمد بن عبد الرحمان الزواوي المتوفى سنة 1793م. ومن أشهر قصائد العربي النجار التي ذاعت على ألسنة رواد الطريقة التيجانية المنتسبة إلى الشيخ أبي الحسن علي الشاذلي قصيدته الشهيرة المتغنى بها على أنغام عديدة مثل «النغمة الجريدية» والتي يبدأها بمدح الرسولے وهو خير ما يلتجأ إليه في طلب الهداية منه للذين ضاقت بهم السبل: «بسم الله نبدأ ترتيب أوزاني وبصلاة كنزنا المبرور ونمجد الشريف الغوث الرباني بن سالم الذي مشهور في مدح نجل طه الهادي سيدي أحمد نور أسهادي فصل المضيق به تنادي يفزع ويزيل عني ضيمي وأحزاني» ومن أهم الأغاني التي يُقال حسب بعض شيوخ قرية بلدة العالية أن الشاعر العربي النجّار قد ألفها تلك التي رددتها صليحة «العين تنحب من فراق غزالي» وقد قالها الشاعر حزنا على وفاة زوجته «منى» التي أحبها بجنون إلا أن القدر لم يمهلها فتوفيت. ثم تزوج بأخرى أنجبت له ثلاث بنات توفين في حياته وفي آخر أيامه فقد بصره نتيجة انتشار مرض الجدري في تلك العين ولم يمهله القدر المحتوم فانتقل إلى الرفيق الأعلى سنة 1916 عن سن تناهز سبعة وسبعين سنة. إيمان الشتيتي خنفير المصدر: أعلام من بنزرت للأديب رشيد الذوادي