في ما يلي الجزء الثاني والأخير من الحوار الذي جمعنا في اطار ركن «القنديل الثاني» مع الدكتور لطفي عيسى أستاذ التاريخ الحديث بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة منوبة ودراساته عن المتصوّفة في المغرب الاسلامي. ما هي المناقب؟ هي سير تخوض في مآثر الصلحاء غالبا ما تكتب بعد مفارقتهم الحياة، وهذا دليل على انخراطهم التام ضمن نطاق الصيت لا السلطة المحدودة بزمن. عما تتحدث المناقب؟ تتحدث بشكل بسيط عن علاقة التصوف بمعيش المجتمع. هل هي مكتملة شروط رواية التاريخ؟ مشكلة المناقب أنها لا تولي أهمية للزمن، الطاغي عليها هو النقل والمشافهة، ولا تستند على متون يعتد بها من وجهة نظر تاريخية تثبت أن ما ترويه يمكن أن يكون صحيحا، الحكايات المنقولة بينها وبين التاريخ مسافة، كل ما هو مشفوه معبأ لخدمة أغراض وعظية. لا يمكن أن نبني الموعظة خارج اطار تضخيم الواقعة المناقبية التي تحمل أخبارا عن معيش لكنها تنقل ذلك بشكل فيه تضخيم استجلابا للموعظة. من هو الولي الصالح؟ هو شخص عادي توفرت فيه أربعة شروط وفقا لما نقلته لنا النصوص المناقبية، شروط تعاد وتكرر في كل النصوص متحوّلة الى سجية. ما هو مشروع الولي؟ استنادا الى أي مدونة، وبالنسبة لماذا؟ ومن يكتب هذه المدونة لشخصية الولي؟ الأسئلة المطروحة هي: من يكتب مدونة المناقب؟ وما التنظيم الشكلي الذي تستند إليه؟ الاختلاف في من كتب هذه المناقب لا في الجنس الأدبي المناقبي، من يكتب هذا النص ينقل لنا معيشا متقلبا ومثيرا عاصره. ما هي شروط الولي الصالح؟ هو شخص عادي يتعين عليه أن يمر بمراحل تسمح له بالانسلاخ من شخص عادي ليصبح وليا صالحا. ونصوصنا لا تنظّم الشروط حسب مراحل وأعمار، أو تسلسل للزمان، فمن الممكن أن تبدأ مناقب الولي الصالح منذ وفاته. النص المناقبي ليس نصا تاريخيا ومن الشروط الملازمة لمسار السلوك والولية نذكر: الصدق في الصحبة، يتعين على الولي أن يصدق في الصحبة، والصحبة في توجيه الأحوال التي تعتري مسيرة السلوك، وهي علاقة أفقية بين شخصين، لا يعلم كلاهما من هو الولي حقيقة؟ أي أنه على المريد أن يبحث عن صاحبه، كما يتعين أن يكون الولي «صاحبا في الله» لتحصل الافادة من سلوكه. الصدق هو مكاشفة وحديث في كل شيء، ما ظهر منه وما بطن، لذلك لا يحمل الأصحاب أو المريدون غير التقدير والثقة الكاملة لشيخ سلوكهم. السياحة: وليست بالمعنى المتعقَّل حاضرا، ولكن سياحة روحية تمثّل شرطا من شروط تشييد مشروع الولي، هي خروج من الداخل ورجوع اليه، علاقة الطبيعة الواسعة بالطباع الشخصية الضيقة، وعند متصوفة المغارب لا يصدق الوليّ الا عندما ينجح في بناء علاقة جيدة بالطبيعة، حيث يستطيع أن يغالب طبعه من الداخل، أي فطرته الغريزية، كالجوع والتعب وغيرها من الصروف والمتاعب. للسفر كما نعرف سبع فوائد، وهو على جميع ذلك طواف وطقس ديني. السفر ليس نقطة انطلاق ونقطة وصول، المهم ما المسافة التي قطعناها وماذا أضاف الضرب في الأرض لمشروع الوليّ. الانتساب: وهذا الشرط يعكس فيما يعكس مركزية المشرق قياسا لبلاد المغارب، الدين الاسلامي دين مشترك مركزه المشرق. المغرب يطرح هويته انطلاقا من دونية مزدوجة، فالمغاربة يشعرون بأولوية المشارقة فيما يتصل بالاسلام الذي ولد بين ظهرانيهم، هشام جعيط مثلا يرى أن «أهمية الموضوع التاريخي تكمن في مركزيته»، فكلما تمحور موضوع البحث حول مركز ما، كلما كان مهما. ومن جانب آخر يحتل الغرب موقع الجار القريب بالنسبة للمغارب وهو ثمرة مشتهاة لا يمكن الوصول اليها، وحتى وان حصل ذلك في حق البعض فانه مذنب، ومغرّب وعلماني. هل من الضروري أن يكون الولي الصالح سنيا مالكيا؟ نعم من الضروري أن يكون الولي سنيا مالكيا، ومؤلف المناقب يجهد نفسه حتى يجعل من الولي شخصية تبرهن سيرتها على أفضلها قياسا لسير علماء السنة. العبرة والموعظة مهمّة جدا بالنسبة لمخيال الجماعة، لهذا نجحت السنة المالكية داخل مجال المغارب، وبنت توازيا بين التصوّف والمالكية. مالكو المغارب سياسيون دهاة، لأنهم وسعوا حضورهم من مياه المحيط غربا الى خليج سيرت شرقا من خلال فرض التجانس المذهبي، أي الدفع باتجاه تحقيق الانسجام التام بين التسنّن والتصوّف، وهنا يظهر أن الانتساب مسألة حيوية، والمذهب السائد هو شرط أساسي لمشروع الوليّ الصالح، لا يمكن له التموقع خارجه. القلب: وهو شرط مزدوج يحيل على القلب كما يعنيه اللفظ لغة، كما يعني أيضا الانقلاب، انقلاب السالك الى شيخ، الى ولي صالح، والحجة في القلب أو في الانقلاب هي تحوّل السالك الى شيخ، لا الى أمير أو عالم، برهان الشيخ هو الكرامة، التي يتعين أن تتوفر في المسيرة دالة عن صفاء قلب الولي. ألا تدخل الكرامة في نطاق المعجزة؟ الكرامة دليل المشيخة وهي الجزء الثاني والأربعين من الوحي على حد تعبير الحكيم الترمذي وهي سكينة. أن يصبح الانسان قادرا على أن الامتلاء بشكل من أشكال الايمان الذي ينطبع من الداخل، كايمان الصحابي أبي بكر الصديق، ايمان يَقِرُ في القلب، وليس ذلك بمهابة، بل هو ما طرأ على قلب الشخص دون تمحك منه، ولا أقصد هنا السكينة التي يبحث عنها الأولياء بالتعويل على التأمل، بل السيطرة على صروف المعاش اليومي، أي على الشروط التي أوردناها في سابق حوارنا وهي الحرم وتأمين السابلة، والرفد والايواء والاطعام.. الولي هو ذلك الذي يحضر عندما تغيب مجمل المؤسسات الموازية كالعائلة والدولة، هو الغريب – الولي، الذي يؤثر على من حوله ولا ينتظر شيئا مقابل ما يقدمه، هو مندمج تمام الاندماج في العطاء دون انتظار مقابل. كيف تقررت هذه الشروط لتجعل من الولي صالحا؟ تكررت ضمن المناقب، والتكرار يعني ما هو مفيد، من يدرك جميع هذه المآثر هو السلطان الحقيقي، وفي الشطحات يقول الولي : « أنا سلطان». لنا عودة مع الدكتور لطفي عيسى بعد شهر رمضان، للتعرف أكثر عن السير ومدونات المناقب، وعن الانعكاسات السياسية والحراك الاجتماعي في مغرب المتصوفة.