بنزرت: بلدية راس الجبل تتحصل على جائزة انظف بلدية على مستوى وطني من ضمن 5 بلديات تحصلت على الجائزة    منوبة: وفاة زوجين وطفلهما في انقلاب شاحنة خضر    أسبوع الأبواب المفتوحة : وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصغي للتونسيين المقيمين بالخارج المهتمين بالاستثمار في الفلاحة    عاجل/ حجز كميات هامة من اللحوم والمواد الغذائية الفاسدة بهذه الولاية    وزير الإقتصاد يلتقي بمدير مكتب البنك الأوروبي للإستثمار بمناسبة انتهاء مهامه ببلادنا    وفاة مقدم البرامج والمنتج الفرنسي الشهير تييري أرديسون عن 76 عاماً    الرابطة المحترفة الثانية: نادي حمام الأنف يباشر التدريبات للموسم الجديد بداية من 20 جويلية الجاري    الرابطة المحترفة الاولى: السبت القادم سحب روزنامة البطولة لموسم 2025-2026    القصرين: تقدّم موسم حصاد الحبوب بالجهة بنسبة 76 بالمائة    عاجل/ ترامب يُمهل بوتين 50 يوما لإنهاء الحرب    عاجل/ وضعية الحبوب المجمّعة بعد الأمطار الأخيرة    عملية تغيير مسار المعدة تُنهي حياة مؤثّرة شهيرة على "تيك توك".. #خبر_عاجل    شمس الصيف تقلّقك؟ هاو كيفاش تحمي تليفونك وتستعملو بلا مشاكل!    لا تخف من الوحدة...طفلك الوحيد يعيش حياة مختلفة تمامًا!    موسم الصولد الصيفي على الأبواب...والتخفيضات تصل إلى 60    فيلم ''سوبرمان الجديد'' يعمل البوليميك قبل مايتعرض...شنوا صاير ؟    حرب على التهريب: حجز بضائع بأكثر من 115 مليار في 6 أشهر فقط!    للناجحين في دورة الابطال : هذا كفاش تتحصل على كلمة العبور للتوجيه الجامعي بسهولة؟    ب360 مليون؟ أجر نجوى كرم في قرطاج يصدم الفنانين و إدارة المهرجان توضح !    من الكاف إلى دبي: توأم التحدي بيسان وبيلسان يسطع نجمهما في تحدي القراءة العربي!    قبل حفلتها في قرطاج : لطيفة العرفاوي توجه رسالة لجمهورها    عاطف بن حسين يعلن عن مسرحية سياسية ساخرة بعنوان "الديكتاتور" تروي أحداث "العشرية السوداء"    السيسي يصدر عفوا رئاسيا عن اسم الرئيس السابق حسني مبارك    7 عادات صباحية بسيطة... تغيّر حياتك من أول أسبوع!    تحسّ بحاجة تصعقك كي الضو في يدك ولا ساقك؟ هاو التفسير الطبّي    تسوق في السخانة؟ ما تخرجش قبل ما تقرا هالكلام!    بشرى سارّة لمستعملي خط "تونس حلق الوادي المرسى".. #خبر_عاجل    صادم/ جريمة شنيعة: تحمل من شقيق زوجها ثم يتخلصان من الرضيع..!    62 بالمائة من الجالية التونسية بالخارج تهتم بشراء العقارات    أيام قرطاج المسرحية: متى يعلن عن موعد الدورة الجديدة ؟    الدورة 30 من مهرجان الياسمين برادس من 20 جويلية إلى 15 أوت 2025    الدورة السادسة لمهرجان الفل والياسمين من 13 الى 16 أوت المقبل بمدينة الحمامات    تونس تشارك في بطولة افريقيا للكاراتي ب 10 عناصر (المدير الفني الوطني)    و"انقلب السحر على الساحر" في قضية والد لامين يامال    الحماية المدنية: 137 تدخلا لإطفاء الحرائق في ال24 ساعة الأخيرة    عاجل/ منح وإجازات وتوقيت عمل خاص.. تفاصيل مقترح قانون يهمّ الأم العاملة..    المنتخب الوطني للجيدو يتحول إلى أنغولا للمشاركة في بطولة إفريقيا    نادي كرة اليد بقصور الساف: "البوزيدي" يرأس الهيئة التسييرية    سينر يطيح بألكاراز ويحرز لقب بطولة ويمبلدون للتنس    وزير الداخلية السوري يكشف السبب الرئيسي وراء أحداث السويداء    استشهاد صحفيين اثنين في قصف للاحتلال الصهيوني على قطاع غزة..#خبر_عاجل    "شات جي بي تي" يساعد سيدة على سداد ديون بأكثر من 11 ألف دولار..ما القصة..؟!    تسجيل إضطراب وانقطاع في توزيع مياه الشرب بالمناطق العليا من سيدي بوزيد وضواحيها الإثنين    وزير التربية: قبول الحاصلين على معدل 14 من 20 فما فوق لدخول الإعداديات النموذجية    عاجل/ فاجعة جديدة في شاطئ سليمان..وهذه التفاصيل..    توفيق مجيد: الكفاءات التونسية في الخارج ليست بحاجة ل"ياسمين" بل إلى اعتبار ودور فاعل في الإصلاح    يشمل قرابة مليون تونسي .. مقترح قانون لتسوية الوضعية العقارية للأحياء الشعبية العشوائية    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المركز 71 عالميا    طقس اليوم: الحرارة تصل الى 46 درجة مع ظهور الشهيلي ٍ    مونديال الأندية : الإنقليزي كول بالمر يتوج بجائزة أفضل لاعب    أطباء يحذرون: مكمل غذائي شائع قد يدمر الجهاز العصبي    "الحصاد تحت السيطرة": موسم الحبوب في تونس يسجّل أرقامًا مطمئنة رغم الصعوبات المناخية    أعلام من بلادي: عزيزة عثمانة .. أميرة الورع والخير    تاريخ الخيانات السياسية (14): القصر لساكنه..    مع الشروق : مهرجانات بلا سياقات    تاريخ الخيانات السياسية (13) ...الحجّاج يخشى غدر يزيد    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: الدكتور لطفي عيسى (1): التصوف في بلاد المغرب مشترك موروث بين مختلف أقطاره له امتداده على كامل البحيرة المتوسطية
نشر في الشروق يوم 17 - 08 - 2010

ما شدّ انتباهي عند قراءة كتبه، لغة عربية منتقاة بقواعدها، وسلاسة أساليبها، ودقة مفرداتها، مستوعبة كل الأجناس الأدبية لكتابة التاريخ، ثم جلست اليه، يتحدث عن المتصوفة وسيرهم، شدتني حكايات تشبه البوح الصوفي، يعترف بأن أفضل ما لديه العلاقة بالمشافهة، وأعتقد أن الحظ حليف طلابه، لا يمكن أن تغفل أذنك لحظة عما يحكيه، هو الحكواتي بامتياز، يجعل من أكثر حقبات التاريخ تعقيدا حكايات روتهم لي جدتي، ولد وترعرع بمدينة القيروان، فتشبع بجو صوفي حمله معه ليبحث في دروب بقيت غير مسلوكة عن مغرب المتصوفة، وعن مدونات المناقب والتراجم والأخبار في كتاب سيرهم، قدمه الدكتور شكري مبخوت : «وجدت فصول لطفي عيسى التي تؤلف « كتاب السير» نصوصا مضافة الى الاسهام في كتاب رواية متعددة الأصوات، لا تقول لنا «ما أشبه اليوم بالبارحة» فحسب، ولكننا سمعناها تقول: لا ينبغي أن يكون غدنا شبيها بيومنا» أو هكذا شبه لنا .
كيف اخترت دراسة التاريخ ؟
كنت أود دراسة السينما، لكن الظروف لم تسمح بذلك، ومنذ البداية أحببت التاريخ، واخترت بعد دروس الأستاذية دروس التبريز لأنها سمحت لي بتغطية المراحل التاريخية الاعتبارية من التاريخ القديم الى التاريخ المعاصر. لقد سمحت لي تجربة اجتياز مناظرة التبريز تكوين ثقافة تاريخية جامعة في مدة قياسية، وأسعفني الحظ بالتتلمذ على أفضل ممثلي الجيل المؤسس من المؤرخين التونسيين : عمار محجوب في التاريخ القديم، الذي توسّعت من خلال دروسه معرفتي بالأدب الافريقي اللاتيني وبالتعرّف على آثار (سان أوغستين، وفرجيل، وأبوليوس)، وهشام جعيط والذي كان عندها بصدد وضع اللمسات الأخيرة لنشر عمله المرجعي بخصوص السياق التاريخي لحدث الفتنة كحدث مؤسس ورحمي في تاريخ الاسلام، ومحمد الهادي الشريف الذي أُعجبت بقدرته على أقلمة تاريخ تونس ضمن سياق تاريخ المتوسط واكسابه بعدا كونيا، اكتشفت بكثير من الدهشة أنه بمقدورنا قراءة تاريخ تونس كجزء لا يتجزأ من العالم، كما فتحت معه نافدة على الدراسات العثمانية وعلى الأنتروبولوجيا التاريخية في آن. على أن تسمح لي الدروس التي خصصها خليفة شاطر للواقع التاريخي للولايات المتحدة في مرحلة ما بين الحربين باكتشاف العلاقة التي تربط الأدب في الآثار الروائية على غرار رواية «أعناب الغضب» لشتاينبيك بالمعرفة التاريخية.
ماذا يعني مصطلح التاريخ الحديث ؟
- هي نظرة خاصة متصلة بتمثل المدرسة التاريخية الفرنسية للتاريخ منذ «مدرسة شارتl'Ecole de chartes « التي أنشأها نابليون، كان هناك تركيز على دولة وطنية فرنسية Nation مهابة من خلال ما خلفته من وثائق أرشيفية. لذلك اعتبرت الأوطان أو الكيانات السياسية التي لم تحتفظ بأرشيفاتها الرسمية دولة من درجة ثانية . وفي تونس تعلقت همّة الجيل الأول باثبات امتلاك الدولة التونسية سلطة ممركزة ووثائق رسمية . وقد سبق لي كبقية المشتغلين بهذا التخصص التاريخي أن ركزت البحث على المتن الأرشيفي وذلك ضمن تمرين شهادة كفاءة في البحث، فقد اشتغلت ضمن المذكرة الخاصة بها على التاريخ المحلي، من خلال الاهتمام ب«ظهير مدينة القيروان». غير أن السؤال الذي لم يفارقني منذ تلك المرحلة المتقدمة من مسيرة البحث هو: ماذا يمكن أن أقوم به اذا ما حاولت تجاوز الصورة النمطية التي تقدمها الأرشيفات الرسمية حول حراك الفاعلين التاريخيين غير الرسميين؟ ثم كيف يمكن لي التعبير عن امتناني واعترافي بالجميل للمدينة التي احتضنت الثلاثين سنة الأولى من حياتي بما في ذلك أفراد عائلتي وجميع من لاقيتهم وتقاطعت سيرتي مع سيرهم ردحا من الزمن. هذا بخصوص الجانب الشخصي، أما الجانب الموضوعي فيرتكز على الرغبة في الاستكشاف المجهري لظاهرة علّمت المشهد الجغرافي المغاربي بشكل عام، لذلك وقع اختياري على التصوّف كظاهرة متأصلة في مشهد المغاربة الجغرافي. التصوّف في بلاد المغرب مشترك موروث بين مختلف أقطاره له امتداده على كامل البحيرة المتوسطية، هناك تصوّف في المسيحية كما في الاسلام، الظاهرة متقاسمة. التصوّف كاطار جغرافي ناظم للمجال له حضور بارز على جميع الأصعدة العمرانية والأمنية والقانونية لاتصاله بالأعراف والتقاليد السارية وعلاقته كتدين يتسم بطابع عملي معيش، وهو أوسع من التدين كاعتقاد في ديانة، لأنه يخترق سمك البنيات الاجتماعية ومؤسساتها، لذلك لا أعتقد أنه يوجد واقعيا تصوّف شعبي وآخر راق، اذ ليس هناك في هذا المستوى من فاصل أو عازل حقيقي بين عامة وخاصة.
هل يتعامل الخاصة والعامة مع الظاهرة نفس المعاملة ؟
الخاصة يتعاملون مع الظاهرة من وجهة نظر رغبتهم في التسوية الى أعلى، بايجاد تواصل بين قواعد الديانة التي ينتمون اليها، والظواهر الدينية المعيشة يوميا ويستأنسون لها، أما عامة الناس فلا يفكرون بالضرورة بهذه المسألة، ولا يمارسون ذلك بالفطرة، بل يتعاملون مع ذلك كمكتسب وموروث جماعي. وعمل المؤرخ هنا هو أن يحدد سياق التأويل وليس البحث عن تأويل، مهمة المؤرخ البحث عن سياق ما لكي يستطيع فهم السبب الذي دفع عامة الناس الى اظهار التمسك بهذا الارث كجانب من هويتهم يدينون له بأشياء متعددة.
ما هي الأدوار التي لعبتها الظاهرة الصوفية عبر مؤسساتها ( الزوايا والطرق )؟
الأدوار التي شدت انتباهي هي تلك التي انشدّ عامة الناس اليها:
تأمين السابلة، قدرة الناس على التنقل دون أن يطالهم أي خطر (محتمين بحرمة الولي)، هناك بناء للحرمة، وهؤلاء الناس بفطرتهم هم أذكى ما نتصور. فهذا المعيش أساسي على الأقل في ما شكله كعامل محوري في تجاوز الحدود الموضوعية للمجتمع وللسلطة في آن، لذلك يتعين الوعي بمحورية ما قامت به مؤسسات الصلاح بصرف النظر عن الدونية التي لازمت تقييم الباحثين والساسة لهذا الأمر.
اقامة الأسواق: لا بد من تبادل لبناء المدينة، عندما تتطاول السلطة أكثر مما يستساغ، يتدخل الولي رمزيا لردعها لذلك شكل الصلحاء السلطة الرمزية داخل المدينة. كان يمكن لمجتمع المدينة أن يستعمل الصلاح كما استعملت حواضر الغرب الأوروبي الباباوية قبالة السلطة الامبراطورة أو الملكية.
رغم أن هناك قوانين للمجتمع المتحضر يحتكم اليها، ويطبقها القاضي فيما يخصّ الحدود الشرعية، لكن سلطة الولي الصالح يمكن أن تتجاوز تلك السلطة، فهو يخلق أحكاما زجرية، وكل الكرامات هي حد رمزي ليس له ما يسنده من وجهة نظر شرعية غير أنه هام جدا في تنظيم المجال .
الايواء: وهي ظاهرة مهمة جدا بالنسبة الى الغريب المعدوم الذي يدخل المدينة، وهو أمر ساهم يقينا في الحثّ على التنقل، لأنهم يعرفون أن هناك شبكة من الأماكن يستطيعون أن يأووا اليها دون فقدان ماء وجوههم بالتسول من الآخرين. كما أن النص الشرعي ينصّ على الايواء، ويطلب من المسلمين بل يحثهم على ايواء الآخرين والتكفل باطعامهم، وهذه حاجيات أساسية لا يمكن تأجيلها، فضلا عن أننا نقدر أن عدد طالبي هذه الخدمات الملحّة قد كان كبيرا. والاطعام ليس سخاء كما يمكن أن يتبادر الى الأذهان، والمؤسسات المؤطّرة لهذه الخدمات لا تظهر السخاء بشكل واضح الا في المناسبات، تماما مثلما تفعل ذلك مؤسسات السلطة، هذه الخدمات هي بالتأكيد عملية استثمار حقيقي ورمزي في آن. اليوم السلطة السياسية تشغل هذا النوع من الاقتصاد بطريقة شمولية وآلية عبر تشغيل خطاب التضامن، الأمر الذي يخرج المعنى عن سياقه ويكسبه بعدا سياسيا رسميا وأحاديا، بينما لا يكتسب التضامن صفته الشرعية الا عبر انطلاقه تلقائيا من المجتمع لأن هناك فارقا كبيرا بين السلطة والصيت.
الرفد: وهو مدّ يد المساعدة ورفع الضيق عند الحاجة، والمساعفة عند حصول المرض، والفك من الأسر، والمساعدة على أداء فريضة الحج، والتعبير عامة عن الاستعداد التام لمد يد المساعدة في جميع ما ينتظم ضمن حاجة المجموعة حيث يتساوى الفقير والغني . فمشاكل المعيش لا يمكن كما أسلفنا تأجيلها.
الاشتغال على جميع هذه الظواهر يحتاج الى عودة متفحصة الى مصادر مخصوصة تسمى كتب المناقب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.