قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُفَّتْ الْجَنَّة بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّار بِالشَّهَوَاتِ» رواه مسلم/ حديث صحيح هذا الحديث النبوي هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فعلى الرغم من محدودية مفرداته وقصر جمله ففيه من البلاغة وحسن الوضوح ما تنبهر به العقول, وتوقظ به النفوس, و ما يعجز عنه اللسان، فهو مليء بالمعاني والمواعظ والتوجيهات والتنبيهات . (حُفت الجنة بالمكاره)وفي رواية أخرى حجبت الجنّة بالمكاره وأطلق عليها هذا الاسم لمشقتها على الإنسان وصعوبتها عليه والمراد بالمكاره في الحديث هي كل ما أمر المكلف بمجاهدة النفس فيه إمّا فعلا أو تركا كالاجتهاد في العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحجّ والمواظبة عليها والصبر على مشاقها، وصبر النفس على من ظلمها وأساء إليها والصبر على المصائب والصدقة والإحسان إلى المسيء والتحلي بالحلم وكظم الغيظ وغيرها من الابتلاءات. فالجنة محجوبة بالمكاره فمن ارتكب هذه المكاره وصل إلى الجنة ومن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب على حدّ عبارة الإمام النووي ودخل الجنّة وتلذذ بنعيمها. (وحُفّت النار بالشهوات) وفي رواية أخرى حجبت النار بالشهوات والمراد بالشهوات كل ما نهانا الله سبحانه وتعالى عنه من محرّمات وحذّرنا من اقترافه فهي حدود الله التي لا يجب تعديها، فالنار محفوفة بهذه الشهوات المحرمة كشرب الخمر وارتكاب الزنا وقتل النفس بغير حقّ والتعدي على مال اليتيم وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات والنميمة والغيبة... . فمن كان أسير شهواته ونزواته كان كالأعمى الذي يرى الشهوات ولا يرى النار، فهتك هذا الحجاب ووصل إلى النار فكان مصيره الويل والخسران. ورد في (فتح الباري) لابن حجر العسقلاني قوله: (الذي أخذت الشهوات سمعه وبصره يراها ولا يرى النار التي هي فيها وذلك لاستيلاء الجهالة والغفلة على قلبه فهو كالطائر يرى الحبّة في داخل الفخ وهي محجوبة به ولا يرى الفخّ لغلبة شهوة الحبّة على قلبه وتعلّق باله بها). فنسأل الله تعالى أن لا يجعلنا من الغافلين الذين استولت عليهم شهواتهم وأن يمتعنا بصفاء البصر والبصيرة إنه سميع مجيب.