اسمها شجر الدر لا شجرة الدر، يقال إنها تركية الأصل أو شركسية، من أشهر وأذكى نساء زمانها ,كانت جارية السلطان الصالح نجم الدين أيوب، توفى «صليبيون» والقوات الصليبية بقيادة لويس التاسع تزحف نحوجنوب مصر، للاجهاز على الجيش المصري الرابض في «المنصورة»، وكانت اذاعة خبر موت السلطان في هذا الوقت الحرج، كفيلة بأن تضعف معنويات الجند وتؤثر في سير المعركة. لذلك أخفت شجر الدر لمدة عشر أيام وبشجاعة موت زوجها، ومنعت أي انسان من الدخول لغرفته، وأمرت بحمل جثته سرًا في سفينة الى «قلعة الروضة (الصفحة غير موجودة)» بالقاهرة، وكانت تدخل الأدوية والطعام الى غرفته كما لو كان حيًا، واستمرت الأوراق الرسمية تخرج كل يوم وعليها علامة السلطان. تولت شجر الدر ترتيب أمور الدولة، وادارة شؤون الجيش في ميدان القتال، وعهدت للأمير «فخر الدين (الصفحة غير موجودة)» بقيادة الجيش، وفي الوقت نفسه أرسلت الى«توران شاه» توران شاه ابن الصالح أيوب من زوجته الأولى، تحثه على القدوم ومغادرة«حصن كيفا» الى مصر، ليتولى السلطنة بعد أبيه. بعد النصر تنكر السلطان الجديد لشجر الدر، وبدلاً من أن يحفظ لها جميلها بعث يتهددها ويطالبها بمال أبيه، فكانت تجيبه بأنها أنفقته في شؤون الحرب، وتدبير أمور الدولة، فلما اشتد عليها، ورابها خوف منه ذهبت الى «القدس» خوفًا من غدر السلطان وانتقامه. ولم يكتف توران شاه بذلك بل امتد حنقه وغيظه ليشمل أمراء «المماليك»، أصحاب الفضل الأول في تحقيق النصر العظيم والحاق الهزيمة بالحملة الصليبية السابعة، وبدأ يفكر في التخلص منهم، غير أنهم كانوا أسبق منه في الحركة والاعداد فتخلصوا منه بالقتل على يد القائد «أقطاي». وجد المماليك أنفسهم في وضع جديد، فهم اليوم أصحاب الكلمة الأولى في البلاد، ومقاليد الأمور في أيديهم، ولم يعودوا أداة في يد من يستخدمهم لتحقيق مصلحة أونيل هدف، وعليهم أن يختاروا سلطانًا للبلاد، وبدلاً من أن يختاروا واحدًا منهم لتولي شؤون البلاد اختاروا شجر الدر، التي اتخذت لنفسها عدداً من الألقاب منها ( المستعصمية) نسبة الى الخليفة العباسي المستعصم بالله، تعبيراً للانتماء اليه، باعتباره سلطان مصر يستمد سلطته الشرعية من الخليفة العباسي. ولقبت أيضا ( ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل أمير المؤمنين) ولقبت أيضا (بالستر الرفيع والحجاب المنيع ملكة المسلمين) دخلت شجر الدر التاريخ من أوسع أبوابه. أخلت سراح الملك لويس التاسع الذي قاد الحملة الصليبية وانهزم وسجن في مصر، لقاء فدية قدرها 800 ألف دينار، تقربت من العامة والخاصة ونالت رضاهم، خففت من الضرائب المفروضة على الشعب، وعملت على محاربة الغلاء، وفرضت على الأغنياء نصيباً من أموالهم للفقراء، وأصلحت ما شوهته الحرب من المباني والطرقات ووسائل الري، وجعلت مجلس الشورى الذي أنشأته مرجعها في اصدار الأحكام، ولم يعرف عنها أن أصدرت أمراً بمفردها، وأوقفت الأوقاف الكثيرة، منها مدرسة في القاهرة سميت باسمها، وحمام سمي حمام السيدة . ولكن الخليفة العباسي المستعصم في بغداد، لم يعجبه تولي امراة مقاليد أمور الدولة، فأرسل الى القاهرة رسالة قال فيها : (فقد بلغنا أنكم وليتم أمركم شجر الدر، وقلدتموها أمور الدولة، وجعلتموها سلطانة عليكم،فاذا لم يكن عندكم رجال يصلحون للسلطنة، فأخبرونا لنرسل لكم من يصلح لها) ولما قرأت شجر الدر هذه الرسالة، أدركت أن بقاءها على العرش سوف يثير لها ولشعبها المشكلات، فخلعت نفسها من السلطنة، وبرضاها دون أن يكرهها على ذلك أحد. بعد أن حكمت الديار المصرية ثمانين يوما، برهنت خلالها على حسن سيرتها، ورجاحة عقلها، وجودة تدبيرها لشؤون البلاد . واذا كانت شجرّ الدر قد تنازلت عن الحكم والسلطان رسمياً، فانها مارست مسؤولية الحكم بمشاركة زوجها، فخضع لسيطرتها، وأرغمته على هجر زوجته الأولى أمّ ولده «علي عز الدين أيبك (الصفحة غير موجودة)»، وحرّمت عليه زيارتها هي وابنها، وبلغ من سيطرتها على أمور السلطان أن قال المؤرخ الكبير «ابن تغري بردي»: «انها كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام». غير أن أيبك انقلب عليها بعدما أحكم قبضته على الحكم في البلاد، وتخلص من منافسيه في الداخل، ومناوئيه من الأيوبيين في الخارج، وتمرس بادارة شؤون البلاد، وبدأ في اتخاذ خطوات للزواج من ابنة «بدر الدين لؤلؤ (الصفحة غير موجودة)» صاحب «الموصل». فغضبت شجر الدر لذلك، وأسرعت في تدبير مؤامرتها للتخلص من أيبك، فأرسلت اليه تسترضيه، وتتلطف معه، وتطلب عفوه، فانخدع لحيلتها، واستجاب لدعوتها، وذهب الى القلعة حيث لقي حتفه هناك، وأشاعت شجر الدرّ أن المعزّ لدين الله أيبك قد مات فجأة بالليل، ولكن مماليك أيبك لم يصدقوها، فقبضوا عليها، وحملوها الى امرأة عز الدين أيبك الأولى، التي أمرت جواريها بقتلها بعد أيام قليلة،فقاموا بضربها بالقباقيب على رأسها، وألقوا بها من فوق سور القلعة، ولم تدفن الا بعد عدة أيام. وهكذا انتهت حياتها بعد أن كانت ملء الأسماع والأبصار، وقد أثنى عليها المؤرخون المعاصرون لدولة المماليك، فيقول «ابن تغري بردي» عنها: «وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البِرّ، معروفة بها..». جدير بالذكر أن شجر الدر لم تكن أول امرأة تحكم في العالم الاسلامي، فقد سبق أن تولت «رضية الدين (الصفحة غير موجودة)» سلطنة «دلهي»، واستمر حكمها أربع سنوات (1236 1240 م). وحكمت «أروى بنت أحمد الصليحي» أروى من سلالة «بنوصليح» «اليمن» (1098 1138 م).