مراد المالكي: اللاعبون كانوا خائفين أكثر من اللازم.. وترشح المنتخب ب"أيدينا"    علي الزيتوني: بالعناصر الحالية .. المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في الكان    منخفض جوي قوي يضرب غزة.. خيام النازحين تتطاير أمام هبوب الرياح العاتية    عبد الحق العلايمي: مباراة للنسيان.. وسامي الطرابلسي مطالب بمراجعة هذه النقاط    تنظيم سلسلة من المعارض الثقافية ضمن فعاليات المهرجان الدولي للصحراء بدوز    خسارة تونس أمام نيجيريا    تونس تُشارك في الصالون الدولي للفلاحة بباريس    سيدي حسين: المنحرف الخطير المكنّى ب«ب بألو» في قبضة الأمن    لجنة مشتركة تونسية سعودية    انقطاع جزئي للكهرباء بالمنستير    مع الشروق : «الإبراهيمية» تغزو الشرق الإفريقي    قرقنة تكشف مخزونها التراثي .. الحرف الأصيلة تتحوّل إلى مشاريع تنموية    جهاز استشعار للكشف عن السرطان    عاجل/ كأس أمم افريقيا: التشكيلة الأساسية للمنتخب التونسي ضد نيجيريا..    تراجع خدمات الدين الخارجي المتراكمة ب 13،8 بالمائة    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    مسرحية "كحلة الأهذاب"... إنتاج جديد لفرقة مدينة تونس للمسرح احتفالا بذكراها السبعين    الدورة الثانية للمؤتمر الدولي حول التقنيات المبتكرة والذكية للمعلومات (IC3IT'26) في الفترة من 26 إلى 28 مارس 2026 بالحمامات    كاس امم افريقيا 2025: السنيغال يتعادل مع الكونغو الديمقراطية 1-1    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    مجموعة الخطوط التونسية: تراجع طفيف في العجز خلال سنة 2022    المستشفى الجامعي شارل نيكول يحقق أول عمليات ناجحة بالفيمتو ليزك بتونس!    متابعة مدى تقدم رقمنة مختلف العمليات الإدارية والمينائية المؤمنة بالشباك الموحد بميناء رادس محور جلسة عمل    نجاح جراحة عالية الدقة لأول مرة وطنيًا بالمستشفى الجامعي بقابس    خبايا الخطة..ماذا وراء اعتراف اسرائيل بأرض الصومال..؟!    محرز الغنوشي: طقس ممطر أثناء مباراة تونس ونيجيريا...هذا فال خير    عاجل/ مسجون على ذمة قضية مالية: هذه الشخصية تقوم باجراءات الصلح..    مداهمة مصنع عشوائي بهذه الجهة وحجز مواد غذائية وتجميلية مقلدة..#خبر_عاجل    هام/ بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة الماضية..#خبر_عاجل    عاجل/ حجز يخوت ودرجات نارية فاخرة: تفاصيل تفكيك وفاق دولي لترويج المخدرات يقوده تونسي..    وزارة النقل: شحن الدفعة الأولى من صفقة اقتناء 461 حافلة من الصين قريبا    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    مستخدمو التواصل الاجتماعي مجبرون على كشف أسمائهم الحقيقية    تقدم أشغال بناء المستشفى الجهوي بالقصرين مع توقع انطلاق استغلاله بداية السنة    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    قابس: تقدم مشروع اصلاح أجزاء من الطرقات المرقمة بنسبة 90 بالمائة    سيدي بوزيد: تحرير 17 تنبيها كتابيا وحجز كميات من المواد الغذائية    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    اخلاء هذا القصر بقرار قضائي..وهذا هو السبب..#خبر_عاجل    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    إعادة انتخاب محرز بوصيان رئيسًا للجنة الوطنية الأولمبية التونسية    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمة الإسلامية في مواجهة المشاريع الغازية (1/3)


د. علي محمد الصلابي
مقدمة:
إن تاريخ الأمة ثروة فكرية لا تفنى، وكنوز علمية لا تنفد، تمنحنا الأصالة وعزّ الإيمان وشرف الانتماء، فيعيننا هذا المخزون الحضاري في تشكيل الحاضر واستشراف المستقبل واستئناف الحياة الكريمة في ظل مجتمع إسلامي تسوده العقائد الصحيحة وتزكّيه العبادات السليمة، وتحرّكه مشاعر رفيعة، وتحكمه تعاليم الإسلام، وتوجه اقتصاده وفنونه وسياسته على أننا إذا تلفَّتنا إلى الماضي فلا نلتفت إليه لنرجع القهقرى ونمشي إلى الوراء، بل لنستمد منه القوة على السير سعياً إلى الأمام لنربط بين الماضي المجيد والمستقبل المشرق، إلى الأمام لنصل مجدنا الجديد بمجدنا التليد.
وحين تدرس التاريخ الإسلامي ستتعرف من خلاله على طبيعة المشاريع الغازية ونقاط ضعفها وقوتها، وكيف استباحت العالم الإسلامي فتهاوت أمامها مدن المسلمين ودولهم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الغرو المغولي للعالم الإسلامي حين تهاوت مدن كبخارى وسمرقند وكابل وبغداد وغيرها أمام جيوش المغول، فاستباحت الديار وهتكت الأعراض، وصودرت الممتلكات وغابت أسباب النصر، وتعمقت عوامل الهزيمة في الأمة أمام هذا المشروع الغازي، ومضت السنن والقوانين الإلهية وعملت عملها ولم تجامل أحداً، وما تغيرت ولا تبدّلت والناس في همّ وغمّ وذل وضعف وخور، وصغار، حتى استوعبت القيادة الإسلامية في مصر فقه المقاومة وإدارة الصراع، وعرفت كيف تدفع أقدار الله بأقداره من خلال سنن النهوض، وأسباب النصر، فكانت النتيجة المذهلة في معركة عين جالوت حين تحرك سيف الدين قطز من خلال مشروع إسلامي ملك مقومات الصمود والتحدي وحقق الانتصار، فكانت الرؤية واضحة والهوية صافية، والبعد العقائدي حاضراً، والفقه السياسي ناضجاً، والقوة العسكرية متفوقة في مجاليها المعنوي والمادي، وعرف سيف الدين قطز مكانة العلماء في الأمة وقوة تأثيرهم ونفوذهم الروحي على الشعب فقربهم واحترمهم، وفتح لهم أبواب التعليم والوعظ والإرشاد، فقاموا بدور كبير في تعبئة الأمة ودفعها لكي تلتف حول المشروع الإسلامي الذي قاده.
كما يخبرنا التاريخ بأن الذين استطاعوا التصدي للمشاريع الغازية، وانتزاع المدن والقلاع والحصون من المغول والصليبيين هم الذين تميزوا بمشروعهم الإسلامي الصحيح، وعرفوا خطر المشاريع الباطنية الدخيلة فتصدوا لها بكل حزم وعزم، وإن أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها لا بد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستخلص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرف مستقبلها.
وحين نتأمل اليوم في حال الأمة الإسلامية وهي تواجه هذه المشاريع الغازية من الغرب الصليبي ومن الباطنية الشيعية علينا أن نستحضر التاريخ لنتعرّف على أسباب هزيمة الأمة أمام هذه المشاريع، ونتأمل في تلك الأسباب، ونستلهم منها الدروس والعبر، ولعل من أشرس تلك المشاريع الغازية التي تعرضت لها الأمة وتلاقت معها فرق الباطنية للقضاء عليها هو ما تعرضت له الأمة من الغزو المغولي للخلافة العباسية حتى أسقطها هذا الغزو، ولنا بعد أن نسقط هذه الأسباب على ما هو واقع اليوم لنراجع ونقارن بين الماضي والحاضر لعلنا نستخلص من هذه الدروس فقهاً نسير به نحو النهوض.
أهم أسباب سقوط الدولة العباسية أمام الغزو المغولي:
إن الابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى يجلب للأفراد والأمة تعاسة وضنكاً في الدنيا، وهلاكاً وعذاباً في الآخرة، وإن آثار الابتعاد عن شرع الله لتبدو على الحياة في وجهتها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإن الفتن تظل تتوالى وتترى على الناس حتى تمس جميع شؤون حياتهم قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). [النور: 63]، لقد ابتعدت الأمة الإسلامية مع حكامها في أواخر الدولة العباسية عن شرع الله، وانغسمت في حياة المادة، وأصيب بالقلق والحيرة والخوف والجبن، وانهارت أمام غزو المغول، وتصدّعت خطوط الدفاع في المقدمة، ولم تستطع أن تقف وقفة عز وشموخ واستعلاء وإذا تشجعت في معركة من المعارك ضعفت قلوبها أمام الأعداء من أثر المعاصي، وأصبحت في ضنك من العيش (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً). [طه: 124].
لقد أُصيبت الأمة بحكامها وشعوبها إلاّ من رحم الله في الجانب الشرقي منها في بلاد ما وراء النهر، وإيران والعراق بالتبلّد وفقد الإحساس بالذات، ومات ضميرها الروحي؛ فلا أمر بالمعروف تأمر به، ولا نهي عن المنكر تنهى عنه، وأصابهم ما أصاب بني إسرائيل عندما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ). (المائدة:: 78 79].
فإن الأمة عندما لا تعظم شرع الله أمراً ونهياً فإنها تسقط كما سقط بنو إسرائيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا والله لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر ولتأخذون على يد الظالم، ولتأطرُنّه على الحق أطراً ولتقصرُنّه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضاً، ثم ليلعنكم كما لعنهم[1]".
إن حكام المسلمين في بلاد ما وراء النهر وإيران والعراق تحققت فيهم سنة الله الماضية بسبب تغير النفوس من الطاعة والانقياد إلى المخالفة والتمرّد على أحكام الله، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). [الأنفال: 53]، كما أن المجتمعات التي ترضخ تحت الحكام الذين تباعدوا عن شرع الله تذل وتهان حتى تقوم أمام من خالف أمر الله، وتطلب العون من إخوانهم في العقيدة، لإرجاع حكم الله في مجتمعاتهم.
لقد كانت ممالك المسلمين في تلك الديار مليئة بالاعتداءات على الأنفس والأموال والأعراض، وتعطلت أحكام الله بينهم، ونشبت حروب وفتن وبلايا، تولدت على أثرها عداوة وبغضاء بسبب الابتعاد عن كتاب الله وسنة رسوله سهلت مهمة المغول في بخارى وسمرقند، وأفغانستان وإيران، والعراق فأصبحت شوكتهم تقوى، وحصلوا على مكاسب كبيرة، وغاب نصر الله عن ملوك تلك البلدان، وحرموا من التمكين، وأصبحوا في خوف وفزع من أعداهم، وبعض المدن تبتلي بالجوع بسبب حصار المغول لهم، وكم قتل المغول من المسلمين وكم سبوا من نسائهم.
إن الابتعاد عن شرع الله تعالى، وعدم الأخذ بسنن الله في إدارة الصراع ترتب عليه انتقاص الأرض وضياع الملك، وتسلط الكفار، وتوالي المصائب.
إن من سنن الله تعالى المستخرجة من حقائق الدين والتاريخ أنه إذا عُصي الله تعالى ممن يعرفونه سلَّط عليهم من لا يعرفونه، ولذلك سلط الله المغول على المسلمين، وعندما تحرك الفقهاء والعلماء، بمصر والتفوا حول دولة سيف الدين قطز وتعاهدوا على نصرة دين الله، نصرهم على المغول في عين جالوت، وسيأتي الحديث عنها بإذن الله مفصلاً.
إن الذنوب التي يهلك الله بها القرون ويعذب بها الأمم قسمان:
معاندة الرسل والكفر بما جاؤوا به[2].
كفر النعم بالبطر والأثر، وغمط الحق واحتقار الناس وظلم الضعفاء ومحاباة الأقوياء، والإسراف في الفسق والفجور، والغرور بالغنى والثروة، فهذا كله من الكفر بنعمة الله واستعمالها في غير ما يرضيه من نفع الناس والعدل العام، والنوع الثاني من الذنوب هو الذي مارسه ملوك المسلمين وأمراؤهم وأتقنوه إتقاناً عجيباً في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة[3].
لقد تعددت أسباب سقوط الدولة العباسية، فقد تطاول عليها الزمن وأدركتها الشيخوخة، وبدت عليها مظاهر الانهيار قبيل حملة هولاكو، وكانت جذور العنف تمتد في جسم هذه الدولة قبل ذلك بمدة طويلة لأسباب كثيرة من أهمها:
1 غياب القيادة الحكيمة: لم تكن شخصية الخليفة المستعصم بالله تمثل القيادة الحكيمة الراشدة، بل كان ضعيف الشخصية، ولم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب، لقلة خبرته وعدم اهتمامه بأمور دولته، ففي الوقت الذي كانت الأخبار تصل إليه تباعاً باقتراب جيوش المغول، لم يتخذ الاستعداد الكافي لمواجهتها قبل أن يستفحل خطرها[4]، لم يكن على مستوى من التيقظ والهمة، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقظ، نازل الهمة،، محباً للمال، مهملاً للأمور، يتكل فيها على غيره، ولو لم يكن فيه إلاّ ما فعله مع الملك الناصر داود في الوديعة لكفاه ذلك عاراً وشناراً.
فكان الضعف القيادي في شخصية المستعصم من الأسباب والمقدمات في زوال الدول العباسية، لم يحسن اختيار الوزراء، وليست له قدرة على المتابعة والمحاسبة وكان يُقاد ولا يقود، وكان سلوكه هذا سبباً لجرأة بعضهم عليه واستغفاله وتحديه، فازدادت الفتن في زمانه وازداد التذمر، وازداد تدهور الحياة الاقتصادية وانتشار الغلاء، وسيطر اللصوص، والشطار العيارون ينهبون ويسلبون أمام الشرطة وصاحبها أو بالتواطؤ معه، والخليفة لا يحاسب صاحب الشرطة، ولا يحاسب الوزير الذي هيمن على جميع الأمور في البلاد وولاياتها التي انفصلت واستقلت، والوزير ابن العلقمي يمهد للانقلاب، حتى يسهل تمرير المؤامرة لإزالة السيادة الإسلامية، وإسقاط الخلافة[5].
لقد غابت القيادة الحكيمة الربانية، والتي تحدث عنها المولى عز وجل في كتابه، وبين صفاتها وأخلاقها لكي تعمل الأمة على إيجادها، ولكن الأمة تركت حقها في الاختيار، وتأثرت مع الزمن والوقت بمعاول هدم روح المبادرة، والمحاسبة والمتابعة والوقوف ضد أخطاء الحكام، وأصبح الخليفة محمياً بقداسة وهمية صنعت لهذا المنصب مع مرور الزمن، والابتعاد عن روح الشريعة ومقاصدها الغراء، وإلاّ فالمعايير والصفات للقيادة الحكيمة بينها المولى عز وجل في سورة الكهف في قصة ذي القرنين، وفي سيرة داود وسليمان عليهما السلام، وغيرها؛ فقد بيّن المولى -عز وجل- من خلال الحديث عن ذي القرنين معالم التمكين عنده لكي يقتدي حكام الأمة بهذه النماذج وتحدث عن معالم التمكين والتي من أهمها:
. دستوره العادل: قال تعالى: (أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً* وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً). [الكهف: 87، 88].
. اهتمامه بالعلوم المادية وتوظيفها للخير: فقد وظّف عدة علوم في دولته القوية من أهمها علم الجغرافيا، حيث نجد أن ذا القرنين كان على علم بتقسيمات الأرض وفجاجها وسبلها، ووديانها وجبالها وسهولها، لذلك استطاع أن يوظف هذا العلم في حركته مع جيوشه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وكان صاحب خبرة ودراية بمختلف العلوم المتاحة في عصره، يدل على ذلك اختياره للخامات ومعرفته بخواصها، وإجادته لاستعمالها والاستفادة منها؛ فقد استعمل المعادن على أحسن ما خلقت له، ووظف الإمكانات على خير ما أتيح له (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً). [الكهف: 96].
كان واقعياً في قياسه للأمور وتدبيره لها، فقد قدّر حجم الخطر، وقدّر ما يحتاجه إليه من علاج، وذكر القرآن الكريم أخلاقه القيادية من الصبر والمهابة والشجاعة والتوازن في شخصيته، وكثرة ذكره لخالقه، وعفته عن أموال الناس، ورحلاته الجهادية في سبيل الله، والمفاهيم الحضارية التي مارسها في حياته، ومن أراد التوسّع فليراجع كتابي (فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم)[6].
هذه المعايير والمقاييس والأخلاق في اختيار الحاكم غابت عن المسلمين، وتولى منصب الخلافة من ليس بأهل لها، وبالتالي ساهم ضعف الخليفة في سقوط الدولة العباسية.
2 إهمال العباسيين لفريضة الجهاد:
إن أخطر العوامل التي أسقطت خلافة العباسيين إهمالهم لفريضة الجهاد، فبعد المعتصم المتولي أمور الدولة سنة(833ه) لم نسمع عن معارك ذات شأن قامت بها الدولة، ولم يكن مبدأ ((الجهاد الدائم)) حماية لهذه الدولة المترامية الأطراف أحد أركان السياسة العباسية. لقد تقوقعوا في مشاكل الدولة الداخلية، فحصرتهم مشاكلها وماتوا ببطء، ولو أنهم وجّهوا طاقة الأمة نحو ((الجهاد)) ضد الصليبيين، لتغير أمر الحركات الهدامة التي قُدّر لها أن تظهر وتنتشر، وذلك أن هذه الحركات لا تنتشر إلاّ في جو مليء بالركود والفساد، والمناخ الوحيد الصالح للقضاء عليها هو المناخ القتالي الذي يكشف المعادن النقية، ويذيب المعدن الرخيص.
لقد كانت الحاجة الإسلامية ملحة إلى ضرورة رفع راية الجهاد، وكانت الدولة الإسلامية التي تعرضت للانشقاق والتمزّق تحتاج إلى هذا الصمام ليحميها من جو السكوت والاستسلام، لكن العباسيين غُزُوا في عقر دارهم فذلوا، ولم يرفعوا راية الجهاد ضد الغزو الخارجي، فارتفعت رايات العصيان الداخلي، وكان بإمكانهم أن يشغلوا الأجناس المختلفة التي ضمتها الدولة في هذه الحروب الجهادية المستمرة ضد الغزاة وضد الوثنيات المختلفة، لكنهم لم يفعلوا فتحركت النعرات القومية الجاهلية لتفتت الدولة، وتقسم جسمها تحت رايات مختلفة ليس لها بالإسلام أو بالجهاد صلة.
وفي سنة 656ه (1258م) كان هولاكو حفيد جنكيز خان يدمر الذين اتجهوا إلى كل السبل إلا سبيل الجهاد، وحاولوا العلاج بكل الوسائل إلاّ الوسيلة الإسلامية الخالدة القوية، وقد هاجم هولاكو بغداد وهدّ أسوارها وأعمل المنجنيق فيها، وحصد بغداد، حتى لم يعد ممكناً الإقامة فيها لشدة روائحها المنفرة، وعندما خرج الخليفة المستعصم إليه مستسلماً بصحبة ثلاثمائة من أصحابه وقضاته دون شرط، أمر هولاكو بقتلهم جميعاً، وطُويت صفحة الخلافة العباسية، ذلك أن أسلوب الأحلام الرومانتيكية الساذجة ليس وسيلة البقاء أو تشييد الحضارات، فالذين لا يملكون إرادة الهجوم، يفقدون القدرة على الدفاع[7]، لقد عطلت الدولة العباسية هذه الفريضة وتخلت عن أهدافها والتي من أهمها:
أ إقامة حكم الله ونظام الإسلام في الأرض قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً). [النساء: 105].
ب دفع عدوان الكافرين قال تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). [النساء: 74].
ج رد اعتداء الكفار في ديار المسلمين: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ). [البقرة: 190].
وغير ذلك من الأهداف، فكان لإهمال فريضة الجهاد وعدم الاهتمام بأهدافه من أسباب زوال الدولة العباسية.
3 انعدام الوحدة السياسية في العالم الإسلامي:
بدأ الضعف يتسرب إلى جسم الدولة العباسية المترامية الأطراف في العقود الأخيرة من القرن الثاني للهجرة، الثامن الميلادي، عندما بدأت بعض الولايات البعيدة عن مركز الدولة في بغداد تنفصل مكونة دولاً مستقلة، وتعجز الخلافة عن إعادتها للسيطرة المركزية؛ فقد تأسست دولة الأدارسة أقصى المغرب عام 172ه 800م، ثم قامت الدولة الفاطمية على أنقاض دولة الأغالبة في تونس عام 297ه/909م وفي مصر قامت الدولة الطولونية عام 254ه/868م، أعقبتها الدولة الإخشيدية عام 323ه/935م وفي عام 358ه/969م استولى الفاطميون على مصر وجعلوا القاهرة عاصمة دولتهم، وهكذا خرج المغرب الإسلامي ومصر بشكل تدريجي من حيث الزمان والمكان عن نطاق الدولة العباسية، وظهرت خلافة جديدة تسيطر على النصف الغربي من العالم الإسلامي، وتسعى للسيطرة عل النصف الشرقي الذي أصابه ما أصاب النصف الأول من حيث قيام الدول المستقلة؛ فقد قامت الدولة الظاهرية في خراسان عام 205ه/820م وتبعتها الدولة الصفارية عام 254ه/867م، ثم غلبت على المنطقة الدول السامانية التي تأسست عام 204ه/819م في بلاد ما وراء النهر، ثم امتد نفوذها لتشمل جميع البلاد التي كانت تتبع للدولة الصفارية، وكان نفوذ الخلافة العباسية يتحول من سلطة سياسية إدارية روحية إلى سلطة روحية فقط، ولم يبق للخليفة سوى ذكر اسمه في خطب الجمعة متبوعاً باسم السلطان الغالب على البلاد، ويعود السبب الرئيس في ضعف الخلافة العباسية وتلاشي سلطتها[8] إلى أسباب كثيرة ليس هنا مجال بحثها، وقد تمكن الأتراك في عهد المعتصم (818 227ه)، وكانت لهم حظوة في عهده، وقد وقرّبهم وأسند لهم المناصب العليا في مركز الدولة والولايات، واعتمد عليهم في حراسة قصره، حتى تطاولوا على الناس وكثرت شكاوي الناس من ظلمهم في بغداد، فبنى لهم المعتصم مدينة سامراء، وجعلها عاصمة لهم ومن حوله حاشيته من الأتراك، وزاد نفوذهم وصاروا وحدهم المتسلطين على أمور الخلافة والدولة، حتى أصبحوا هم الذين ينتخبون الخليفة الذي يريدون، يعزلون من لا يوافق رغباتهم وأهوائهم، وفي عام 334ه/945م استولى البويهيون الشيعة على العراق، وأضافوه إلى دولتهم التي تأسست قبل ذلك في فارس، وصاروا هم المتسلطين على شؤون الخلافة، وتعسفوا في معاملة الخليفة حتى إنهم عذبوا بعض الخلفاء وسجنوا بعضهم، وقتلوا البعض الآخر.
وكان بإمكانهم القضاء على الخلافة العباسية والدعوة للخلافة الفاطمية في العراق وباقي المشرق الإسلامي، خاصة بعد استيلاء الفاطميين على مصر، لكنهم لم يفعلوا ذلك ليس حفاظاً على الخلافة العباسية، بل حفاظاً على سلطانهم ودولتهم من أن تزول لصالح الفاطميين، الذين تمكنوا من بسط سيطرتهم على بلاد الشام وشبه جزيرة العرب، وأخذوا يبثون دعاتهم في العراق لإنهاء الخلافة العباسية وضم باقي المشرق الإسلامي لدولتهم، وفي عام 447ه/ 1055م استغل أحد دعاتهم ضعف سلطة البويهيين، وأثار فتنة في بغداد وتمكن خلالها مع مؤيديه من القاء القبض عل الخليفة وحبسه، فاستنجد الخليفة بالسلطان طغرل بك سلطان السلاجقة الذين كانوا قد أسسوا دولتهم عام 427ه/1037م في بعض مناطق خراسان، ثم توسعوا جنوباً وغرباً في أراضي الدولة البويهية التي كانت قد ضعفت، كما تقدم وسارع سلطان السلاجقة إلى استغلال الفرصة فتوجه إلى العراق وقضى على الفتنة وعلى الدولة البويهية وأعاد للخليفة اعتباره، ولكن البساسيري الذي تأثر بدعوة الفاطميين استولى على بغداد بعد أن غادرها طغرل بك 450ه/1058م، وأقام الدعوة فيها للخليفة الفاطمي المستنصر بالله، إلاّ أن طغرل بك عاد إلى بغداد من جديد وقضى على داعية الفاطميين، واستقرت الأوضاع في العراق لصالح دولة السلاجقة السنيين، الذين أظهروا قدراً كبيراً من الاحترام للخليفة، ولكنهم أبقوه رمزاً دينياً بدون قوة وصلاحيات، وعندما اجتاح الصليبيون بلاد الشام عام 492ه/1099م كانت الخلافة العباسية عاجزة تماماً عن القيام بأي رد فعل سوى توجيه الرسل إلى سلاطين السلاجقة لمعالجة الأمر[9]. وأصبحت العلاقة بين السلاجقة والخلافة العباسية بين مدّ وجزر إلى نهايتها ومجيء الخوارزميين كقوة جديدة اصطدمت بالخلفاء العباسيين وقد بيّنا ذلك، وفي عهد المستعصم بالله العباسي آخر خلفاء العباسيين، وعلى الرغم من المتاعب والمحن التي أحاطت بالخلافة العباسية فإن المصادر لم تشر إلى أية محاولة من الخليفة العباسي المستعصم بالله في الاتصال بالقوى الإسلامية وبالأخص الإيوبيين في الشام والمماليك في مصر؛ إذ يبدو أنه كان واهماً بأن تلك القوى ستكون رهن إشارته عند الحاجة لها، يدلنا على ذلك تلك الرسالة التي ردّ بها الخليفة على تهديدات هولاكو، والتي ذكر فيها بأن كل القوى الإسلامية تنتظر إشارة بسيطة منه للوقوف في وجه المغول، متناسياً بأن الأيوبيين والمماليك كان لديهم من المشاكل ما يمنعهم من تقديم أي مساعدة لبغداد[10].
4 ضعف الجيش العباسي: في أواخر عهود الخلافة العباسية، بدأ التفكك يدب في كيان الدولة، وبدأت الولايات تنعزل أو يستقل بها ولاتها جزئياً أو كلياً، فينتبه خليفة، ويهمل خليفة آخر شأن الجيش، أو ينتبه الخليفة نفسه في فترة لهذا الجيش، ويهمله في فترة أخرى، وكان آخر من سجل نقطة تحول في تجديد الحياة إلى الجيش العباسي وبث الحيوية في تنظيماته هو الخليفة المستنصر بالله أبو الخليفة المستعصم بالله، وذلك بعد أن تمزقت الدولة العباسية، وبدأت السيادة الإسلامية العباسية تفقد نفوذها، وأخذ التشرذم ينتاب هذه الدولة، ومع مجيء الخليفة المستنصر بالله رفع عدد جنوده إلى مائة ألف جندي للتمكن من صد زحف المغول المحتمل ومحاولة ردهم عن تخوم الدولة ومقاتلتهم واستخلاص الأراضي التي بسطوا هيمنتهم عليها، لكن بطانة الخليفة المستعصم بالله، لم تلتفت إلى هذا الأمر وتركت مهمته إلى الخليفة الذي اقتنع برأي وزيره الفارسي ابن العلقمي بإنقاص عدد الجند إلى عشرين ألفاً فقط، ولم تحرك بطانة الخليفة ولا أمراء الجند ساكناً في هذا الحدث المهم والكبير، على الرغم من وجود خطر داهم أصبح عاصمته همذان، وهي قاعدة الانطلاق العسكري على الرغم من نهشه المتفاوت لتخوم الدولة العباسية الضيقة الحدود؛ إذ كان الخليفة قد أهمل حال الجند ومنعهم أرزاقهم، وأسقط أكثر من في دساتير ديوان العرض، فآلت أحوالهم إلى سؤال الناس وبذل وجوههم في الطلب في الأسواق والجوامع، ونظم الشعراء في ذلك الأشعار[11]، ويقول ابن كثير: وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمه من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر بالله قريباً من مائة ألف مقاتل منهم الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتر وأطمعهم في أخذ البلاد.. وأن يبيد العلماء والمفتين[12]، وكان النظام مفقوداً في جيش الخليفة، ومُني بفقدان الوحدة في قيادته، فكان له عدة قوات، كلٌّ يعمل على شاكلته وبرأيه الخاص، خلافاً لما كان عليه الحال لدى المغول؛ فقد كان النظام سارياً فيه بفضل توحيد قيادته العليا وحصرها بشخص السلطان يؤازره ديوان شورى الحرب، وكان مؤلفاً من كبار قادة المغول وأمرائهم، من مهام هذا الديوان تقرير الخطط الحربية، ولم يكن للخليفة المستعصم ولا لقادة جيشه عناية بفن الاستطلاع أو الوقوف على الحقائق في بلاد الأعداء، بل كان خليفة بغداد يجهل أو يتجاهل كل شيء من هذا القبيل، وأما المغول فكانت لهم عناية بالغة بهذا الفن، وكان لجيشهم عيون يعولون عليها في موافاتهم بحقائق الأحوال، ومن تفننهم في ذلك استعمال طلائعهم العسكرية في التجسّس، وربما تكرّر ذلك منهم سنين طويلة، ويُعزى ظفرهم في كثير من الحروب إلى عوامل من جملتها اهتمامهم بتسقط أنباء الأعداء، فوجدوا أن الدولة العباسية حدودها شاغرة، وأنظمتها فاسدة، وجيوشها خائرة، وبالجملة فقد ظهر الفساد في الدولة من قرنها إلى قدمها[13].
5 ضعف عصبية الدولة: قامت الدولة العباسية على فكرة إسلامية شاملة، ولم تكن لها عصبية قومية متحدة الأوصال وثيقة العرى، وإنما كان الإسلام هو الذي جمع بين القوى القومية المتعددة الأجناس، وكان بنو العباس يسندون أمر وزاراتهم إلى رجل يختارونه من الموالي، ويجعلون قيادة جنودهم إلى موالي وإلى عرب، ولكنهم كانوا تحت تأثير الظنون والريب التي تحوم حول عقولهم من استبداد الموالي بالسلطان، فمتى شمّوا من وزير أو قائد من الموالي الخراسانيين رائحة من ذلك عاجلوه، وانظر ما فعله المنصور بقائد الجيوش العباسية أبي مسلم الخراساني وزيره الأول، ولأبي مسلم ماله من السابقة وحسن الأثر في إحياء الدولة، ولكن ذلك لم ينفعه أمام ريب أبي جعفر وغيرته على ملكه أن يشاركه فيه أحد، ولا يمكن أن نبرئ أبا مسلم من قصد تحويل السلطان إلى قومه وليس بنو العباس في نظره إلاّ واسطة، ولما قُتل أبو مسلم قام بالثأر له قائد فارسي على دين قومه من الوثنية سنباذ، وجمع لذلك جموعاً عظيمة، وكاد يزلزل بلاد خراسان لولا أن غولب بالعصبية العربية الممزوجة بالعقيدة الإسلامية فإن أبا جعفر أعد له جمهور بن مرار العجلي، وهو من رجال ربيعة، فكسر قوته وقام يطلب بثأره أيضاً الرواندية، فقضى عليهم قائد من زعماء ربيعة وهو معن بن زائدة الشيباني، والخلاصة أن الدولة العباسية ابتدأت على عصبية يتحد دينها وتختلف عناصرها ولبعض هذه العناصر أغراض لا تتفق مع سيادة الدولة وعظم شأنها ونفوذ خلفائها، وحدث صراع بين العصبيات الجزئية على حساب العصبية الكلية التي كان يجمعها الإسلام، وحدث صراع بين عصبية الأجناس والقوميات أضعف بني العباس، بعد فقدان توازن القوى وما ترتب عليه من اختلال في النفوذ، أو المقام الديني في حفظ هذه الدولة من الفناء مع هذا الضعف المتوالي، فدخل في عصبية الدولة العباسية الفرس وأصبحوا أصحاب النفوذ ثم الأتراك، ثم البويهيون ثم السلاجقة، كما مرَّ معنا وحاول خلفاء الدولة العباسية بعد ضعف السلاجقة أن يستيقظوا من السبات الطويل، وفوجئوا بخروج سيل المغول الجارف والعصبية القائمة عليها الدولة في حالة من التردي والضعف، والهوان[14].
يتبع إن شاء الله
[1] سنن أبي داود، ك الملاحم رقم الحديث 4670.
[2] تاريخ دولتي المرابطين والموحدين للصَّلاَّبي ص142.
[3] تاريخ دولتي المرابطين والموحدين ص142.
[4] جهاد المماليك ص351، قضايا ومواقف من التاريخ العباسي ص204.
[5] بغداد مدينة السلام غزو المغول ص125.
[6] فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم ص163 184.
[7] دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية ص127.
[8] دور نور الدين محمود في نهضة الأمة ص25.
[9] دولة السلاجقة للصلابي ص559.
[10] جهاد المماليك ص53 للغامدي,
[11] بغداد مدينة السلام ص139.
[12] البداية والنهاية(13/196)، بغداد مدينة السلام ص139.
[13] خلفاء بني العباس والمغول أسقطوا بغداد ص568، 569.
[14] الدولة العباسية للخضري ص480.
الإسلام اليوم
الاربعاء 11 ذو الحجة 1431 الموافق 17 نوفمبر 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.