«بيروت منزوعة السلاح» شعار قديم جديد رفعته قوى الأغلبية النيابية في لبنان قبل أحداث ماي 2008 المريرة وبعدها، وترفعه اليوم قطاعات واسعة من مكوّنات المشهد السياسي اللبناني على خلفية الاشتباكات التي هزّت العاصمة بيروت قبل أسبوع وجرت بين عناصر من «حزب الله» وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الأحباش). «بيروت منزوعة السلاح» بدأ شعارا والخوف كل الخوف ان يتحول الى نار تأتي على كل شيء فتجهض المصالحة وتوقظ الفتنة وتجرّ لبنان مرة أخرى الى مرحلة لا أحد يرغب في العودة إليها لأن لا أحد فيه سيبقى بمنأى عن نار هذه الفتنة ولا أحد سيستفيد من اشتعالها. وعلى الرغم من نجاح القوى السياسية اللبنانية المعنية في احتواء أحداث برج أبي حيدر وتحويل الملف الى مخابرات الجيش والأجهزة القضائية فإن خلفيات وتداعيات ما حدث دفعت بملف السلاح وتنظيمه مجددا الى واجهة الاهتمام المحلي فيظل مطالبة عدد من الأطراف اللبنانية وفي مقدمتها تيار «المستقبل» الذي يتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري بالسعي الحثيث الى تطبيق ذلك الشعار. وكما كل مسألة خلافية في لبنان انبرى كل فريق في الدفاع عن مواقفه انطلاقا من تخطئة الطرف الآخر واعتمادا على نظرية التآمر على وحدة البلد وضرب التعايش فيه وفق معادلة الجيش والشعب والمقاومة. ففريق الأكثرية النيابية استغل حادثة برج أبي حيدر ليفتح ملفا ظل مغلقا ولا أحد يريد الخوض فيه منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اعتبارا لحساسيته ولثقل «حزب الله» سياسيا وعسكريا وهو الطرف المعني بالدرجة الاولى في هذا الملف وهو ملف السلاح.. فريق الأكثرية عاد اليوم ليقول إن موضوع السلاح لا ينبغي ان يبقى من ضمن المواضيع المسكوت عنها او غير القابلة للنقاش والحسم واستدل في ذلك على أن اتفاق الدوحة الذي أفضى الى المصالحة اللبنانية (عام 2008) والى انتخاب الرئيس ميشال سليمان لرئاسة البلاد وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد ذلك انما ينص على ضرورة حل الخلافات بالحوار وبعيدا عن اللجوء الى العنف واستخدام السلاح ورأى ان الاشكال الأمني الأخير مثّل خرقا لاتفاق الدوحة فضلا عن انه كشف عن حقيقة خطيرة وهي ان حادثا «فرديا» (كما وصفه طرفا النزاع) يتم فيه استخدام كل تلك الأسلحة ويخلّف ذلك العدد من القتلى والجرحى فكيف اذا كان الخلاف بين فريقين سياسيين يلجأ كل منهما الى تحريك عناصره والى فتح مخازن أسلحته عندها سيقع المحظور وتنجرّ البلاد الى الحرب الأهلية التي لا أحد يرغب في الانجرار إليها لكن الجميع يعمل ربما من حيث لا يدري على تهيئة اجوائها وعلى توفير البيئة الملائمة لاندلاعها سواء عبر التسلّح او عبر «الحروب الكلامية» التي كثيرا ما غلّظت القلوب وأوغرت الصدور وانتهت الى ما انتهت اليه من خلافات وتصدّعات وفُرقة. وقد رفضت أوساط قوى الأغلبية النيابية مقولة التسلّح تحت عنوان المقاومة وعادت الى الحديث عن تأثير قوى إقليمية (وتحديدا سوريا وإيران) في بعض القوى اللبنانية (تقصد «حزب الله») وذهبت الى حدّ التحذير من تحوّل لبنان الى ساحة صراع بين ما سمّته «مقاومات إقليمية» بينما نبّه رئيس الحكومة سعد الحريري الى أن المقاومة التي نصّ عليها البيان الوزاري وفق معادلة الجيش والشعب والمقاومة إنما هي لمقاومة العدو الاسرائيلي أما بيروت والمناطق فممنوع ان يكون فيها اي سلاح» وهذا يعني ان الحريري (وهو رئيس تيار «المستقبل») مازال يضع في أجندته ملف نزع السلاح الخارج عن سيطرة الدولة وهو الإشكال الأكبر الذي يمثل مجرد طرحه مثار شكوك وضعف للثقة بين الحكومة و«حزب الله». ولاشكّ انه اعتبارا لشدة حساسية هذا الموضوع على «حزب الله» (الذي يعيش بطبعه وضعا صعبا على خلفية ما يروّج من صدور قرار ظني قد يتهمه بالضلوع في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري) بادر الحزب الى خطوتين لوضع اشتباكات برج ابي حيدر في إطارها. فأما الخطوة الأولى فتمثلت في إصدار بيان مشترك مع جمعية «الأحباش» أكد أن تلك الأحداث لم تجر على خلفية سياسية أو طائفية وتعهد فيه الطرفان بعدم تكرارها مع تأكيد ثقتهما في الجيش وأنه هو الوحيد المخوّل له حفظ الأمن والعيش المشترك في البلاد وذلك في مسعى واضح الى لملمة الموضوع والحدّ من تأثيره في مجرى الأحداث السياسية. وأما الخطوة الثانية وهي مرتبطة ارتباطا عضويا بالاولى فهي التذكير بأن سلاح المقاومة سلاح شريف وهو الذي قهر إسرائيل، ومن ثمة لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنه أو المساس به، لأنه ضمانة لأمن لبنان... بل وعاد «حزب الله» الى اتهام الفريق الآخر بالتآمر على سلاح المقاومة والتربص شرا به وصار يتحدث عن توظيف عناصر بشرية ومادية وسياسية لتشويه سمعة «حزب الله» وضربها. والحقيقة ان مواقف الفريقين وحججهما تنطوي على قدر كبير من الصواب والواقعية وعلى شيء يسير من الخطإ أيضا، فمعالجة ملف السلاح باتت ضرورية أكثر من أي وقت مضى ولكن مع تصحيح المقصد والابتعاد عن الطرح الانفعالي للمسألة، فالمطلوب هو تنظيم السلاح والتمييز بين سلاح المقاومة وسلاح الشوارع الذي يتم استخدامه بشكل غير مدروس فيسيء الى لبنان أولا وإلى المقاومة ثانيا... المطلوب ألا يعمل كل فريق على محاسبة الآخر وألا يتعمّد إثارة الملفات العالقة بشكل يثير استفزاز الطرف الآخر... المطلوب أن يسعى كل فريق الى التهدئة وإلى صيانة صيغة العيش المشترك لأن الكل سيرد نار الفتنة إن هي اندلعت. تتواصل التبعات القانونية للقضية المرفوعة على «دونالد رامسفيلد»، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في عهد بوش، من جانب مواطنين أمريكيين اثنين تعرضا الى التعذيب في قاعدة عسكرية أمريكية في العراق عام 2006. ويرى هذان الأمريكيان، ويدعيان «دونالد فانس» و«ناثان ارتل»، أن رامسفيلد ومسؤولين آخرين في الحكومة الأمريكية، لم يتم تحديدهم، مسؤولون شخصيا عن تلك الجريمة، وينظر حاليا القضاء الأمريكي في القضية. وقد ورد في محضر الادعاء أن المدعيين كانا يعملان في شركة أمن عراقية، كانت القوات الأمريكية تشك في أنها تساعد ««القاعدة»» في العراق، وقد قام الاثنان بابلاغ السفارة الأمريكية في بغداد عن صفقات أسلحة مشبوهة. لكن مديري الشركة العراقيين شكّوا في نوايا الرجلين، وصادروا اثباتات شخصيتيهما ليحرموهما من التنقل داخل العراق، أو السفر خارجه، فما كان من فانس وارتل، خوفا على سلامتهما. الا أنهما أغلقا على نفسيهما باب غرفة في المجمع الأمني التابع للشركة، واتصلا بالسفارة الأمريكية لمساعدتهما، وانتهى الأمر بأن قامت القوات الأمريكية بانقاذهما، واصطحابهما لمعتقل مؤقت قضى فيه ارتل شهرا وفانس شهرين. وكان الجيش الأمريكي ينظر اليهما على أنهما خائنان، وأنهما يشكلان مصدر تهديد لأمن القوات الأمريكية، وذلك لتعاونهما مع شركة تساعد المقاومة في العراق، وتسهم في تعريض الجنود الأمريكيين للخطر. لم تتعرض القوات المسلحة الأمريكية لمساءلات قضائية في السابق تتعلق بالأذى الذي يتعرض له المدنيون في ميدان الحرب، وقضية الرجلين اعتبرها القضاء الأمريكي استثناء.