... أقسام بلا أساتذة أو معلّمين.. مشهد يتكرّر مطلع كل سنة دراسية في بعض معاهد ومدارس الجمهورية ويمتدّ أياما وأحيانا أسابيع.. المشهد على حدّ وصف الأولياء والتلاميذ وحتى المربّين ووزارة التربية، «مألوف».. غير أن مشهد هذه السنة كان غير عادي في نظر بعض الأولياء والتلاميذ بما أنه شمل عددا أكبر من المؤسسات التربوية ومن الأقسام ومن المواد التعليمية.. كما أنه شمل مدارس ومعاهد لم تشتك قطّ في السابق من هذا الاشكال.. فلماذا تحصل مثل هذه الاشكالات مطلع كل سنة دراسية؟ ومن يتحمّل مسؤوليتها، هل سلطة الاشراف أم المربّين؟ أي هل أن الأستاذ أو المعلم هو من يتأخر من تلقاء نفسه في الالتحاق بمؤسسته التربوية أم لأسباب خارجة عن نطاقه ولها علاقة بتنظيم سير العمل بالمعاهد والمدارس؟ أي تأثير لهذه التأخيرات على سير الدروس وعلى التلميذ؟ يعترف المعنيون بالشأن التربوي أن الزمن المدرسي على حالته العادية من 15 سبتمبر الى 15 جوان يشكو بطبعه من بعض الهنات من حيث مدة التدريس الفعلية وذلك في مختلف المستويات (الابتدائي الاعدادي الثانوي) وذلك بالرغم من ارتفاع معدل ساعات التدريس الأسبوعية في بلادنا (من 32 الى 36 ساعة) مقارنة بمعدل الدول المتقدمة (22 ساعة).. هنات تعود حسب المختصين الى تعدد العطل المدرسية وتعدد عطل المناسبات والأعياد الدينية والوطنية.. وأيضا الى طريقة الأسابيع المغلقة التي وقع إلغاؤها هذه السنة بما أنها كانت تكلف مثلا في الاعدادي ضياع أكثر من 50 يوم دراسة في السنة (أسبوع للمراجعة وأسبوع للامتحانات وأسبوع للاصلاح وذلك في كل ثلاثي).. فإذا انضاف الى كل هذا تأخير بأيام أو بأسابيع في التحاق المربين بالمدارس والمعاهد مطلع كل سنة دراسية، فإن حجم الزمن المدرسي المهدور سيُصبح كبيرا وقد تكون له تأثيرات سلبية على كل الأطراف.. مرتفعة؟ ما لاحظه بعض الأولياء والتلاميذ من تأخر مباشرة بعض الأساتذة والمعلمين للتدريس منذ 15 سبتمبر والى حدّ الآن أكده ل«الشروق» السيد سامي الطاهري كاتب عام نقابة التعليم الثانوي، مضيفا أنه بالرغم من تكرّره مطلع كل سنة دراسية إلا أنه كان ملحوظا بشكل كبير خلال الأيام الأولى لهذه السنة، أي أن نسبة الغيابات في صفوف المربين كانت مرتفعة عن السنوات الماضية. أسباب لماذا لا يباشر أستاذ أو معلم عمله في التدريس منذ 15 سبتمبر مع تواصل غيابه عن القسم في الأيام أو الأسابيع الموالية؟.. سؤال عجزنا عن العثور على جواب له لدى وزارة التربية بسبب عدم توفر أي طرف لتقديم توضيحات رغم الاتصال أكثر من مرة بالمصالح المعنية.. غير أن الاجابة عن هذا التساؤل قد تبدو واضحة بما أن الأمر يتعلق ببداية العام الدراسي حيث تكون الوضعية غير مستقرة وغير واضحة بالنسبة الى بعض المربين سواء من حيث النقل والتعيينات أو من حيث الاستعداد «الاجتماعي» للمربي نفسه (عدم استقراره في السكنى مثلا بسبب البحث عن مسكن للكراء..)، غير أنه حسب السيد سامي الطاهري توجد أسباب عديدة أعمق بكثير من الأسباب السطحية. ويقسّم كاتب عام نقابة الثانوي هذه الأسباب الى «شغور فعلي ونهائي» و«شغور وقتي».. فبالنسبة الى الصنف الأول من الشغور، يكون مثلا بسبب الوفايات في صفوف المربين أثناء العطلة الصيفية أو بسبب حصول الأستاذ على عطلة مرض طويل في الصيف أو حتى بسبب الاستقالات. وبالنسبة الى الصنف الثاني من الشغور فهو وقتي ويهم المربين الذين يتعرضون مثلا لحوادث أو أمراض خفيفة أو مثلا عند الولادة (بالنسبة للمربيات) قبل العودة المدرسية بأيام وهم مضطرون الى الراحة أثناء الايام أو الاسابيع الاولى للسنة الدراسية. فالمربي بشر كغيره، وهو معرّض لمثل هذه المسائل وله الحق في التغيّب كغيره من الموظفين، وقد يكون هذا الغياب وسط السنة الدراسية أو في مطلعها. سدّ الشغور يقول كاتب عام نقابة التعليم الثانوي إنه على وزارة التربية أن تكون على اطلاع بكل الشغورات النهائية أو الطويلة أو القصيرة الأمد طوال أيام العطلة الصيفية والى حدود 15 سبتمبر وذلك حتى تقدر على سدّها منذ بداية العام الدراسي وبصفة نهائية وجذرية ولو بصفة وقتية. لكن الادارات الجهوية للتعليم عادة ما تنتظر يوم 14 سبتمبر (وهو الموعد المحدد لالتحاق المربين بالمدارس والمعاهد) لتعاين الشغورات وتشرع منذ ذلك اليوم في سدّها.. غير أن هذه الطريقة غير مجدية حسب المختصين ولابد أن تكون التعيينات واضحة ومكتملة منذ 14 سبتمبر.. وقال السيد سامي الطاهري في هذا المجال إنه يوجد الى حد الآن (بعد مرور أكثر من أسبوع على العودة المدرسية) عشرات الناجحين الجدد في ال«كاباس» غير أنهم لازالوا ينتظرون برقيات التعيين في حين توجد أماكن شاغرة ببعض المعاهد والاعداديات، وأكثر من ذلك، يضيف المتحدث أنه توجد زيادة على النصاب في بعض المدارس والمعاهد بسبب بعض اللخبطة في التعيينات.. وهو ما يدعو الى الغرابة فعلا.. أسباب فنية يتحدث البعض عن الاسباب الفنية التي تعطّل انطلاق المربي في عمله منذ اليوم الاول للعودة المدرسية... فمن ذلك مثلا أنه توجد بعض المقاييس الفنية الواجب توفرها في معلّمي وأساتذة بعض الاقسام التي توصف ب«الحساسة» على غرار السنة الأولى ابتدائي وأيضا الثالثة والسادسة وكذلك السنة الثامنة والتاسعة والباكالوريا.. حيث أن مديري المؤسسات التربوية يأخذون عادة بعين الاعتبار ضرورة توفر بعض المواصفات في المربين لتعيينهم في هذه الاقسام.. وهو ما قد يتسبب في شيء من «اللخبطة» والتأخير في إلتحاق بعض المدرّسين بأقسامهم. تأثيرات «طبعا، كل ساعة أو يوم دراسة مهدور سيؤثر سلبا على التلميذ وعلى المدرّس، يقول السيد بدر الهرماسي كاتب عام الجامعة العامة للتأطير والارشاد التربوي. فتغيّب الاستاذ أو المعلم سينجرّ عنه تأخرا في الدروس لتلاميذه وهو ما سيدفع به الى القيام بحصص تدارك في الايام أو الاسابيع الموالية، وطبعا سيؤثر ذلك على قدرات التلميذ في تلقي الدروس المعنية بالتدارك وهي دروس قد تكون هامة كما قد تؤثر أيضا على مردود المدرّس عندما ينشغل في وقت ضيق بالدروس العادية وبدروس التدارك. ويرى المختصون النفسانيون أن الايام الاولى في السنة الدراسية وخاصة اليوم الاول منها وكذلك الحصص الاولى في مختلف المواد يكون لها عادة تأثير هام في نفسية التلميذ، حيث تساهم عادة في تأقلمه مع أجواء الدراسة وأجواء القسم وأيضا مع أصدقائه ومدرّسيه.. فإذا حُرم منها فقد تنجر عن ذلك آثار سلبية لدى التلميذ يمكن أن تؤثر حتى على مستقبله الدراسي.. وهو ما يؤكد ضرورة إيلاء وزارة التربية مزيدا من العناية بهذا الاشكال حتى لا يستفحل أكثر فأكثر بتقدم السنوات.