في العيد التسعين لناديهم، لا يملك أحباء النادي الافريقي أكثر من الوقوف على أطلاله.. لقد تزعزعت أركان القلعة الحمراء والبيضاء.. وتصدّعت وتشقّقت.. وباتت حصانتها ومتانتها وهيبتها ذكرى من الذكريات الجميلة ليس إلا.. وليس علينا، لكي نفهم ما حصل، أن نلتفت كثيرا الى الوراء.. فقد حدث التحول الكبير في مدى لا يزيد عن عقدين من الزمن.. نعم.. ففي عشرين عاما تنقص أو تزيد قليلا، تقلّصت مساحة الأرض الآمنة والثابتة تحت أقدام جماهير النادي وتلبّدت سماؤهم واختلط هواؤهم بكل أنواع الأكسيد الكربوني والكبريتي وانسدّت آفاقهم وانطبقت عليهم الجهات.. ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف «شعبا» كما أطلق عليهم عبد الحق بن شيخة.. (2) اليوم اكتملت فصول الكارثة التي حلّت بالنادي.. ودخلنا نحن جماهيره في عصر كروي ل«النكبة».. وهل من دليل أبلغ على ذلك من أجواء الفجيعة التي تجري فيها تسعينية النادي؟ قف بأي محب للإفريقي وفي أي مكان مادي من مدن البلاد وقراها ومداشرها، أو أي مكان افتراضي على الشبكة العنكبوتية بمواقعها ومنتدياتها ومدوناتها، تجد شكلا واحدا تأخذه الكلمات والمشاعر والأفكار انه شكل الرثاء البارد واليابس! (3) وكيف لا يكون ما يتبادله أحباء النادي الافريقي في ذكرى التأسيس رثاء.. وقد اضمحلّ الجزء الصحيح واليافع والمعافى من جسم ناديهم.. وبقي الجزء المريض والعاطل والمشلول.. وذهب الفاعلون والحالمون والمؤمنون.. وجاء الخاملون والخانعون واليائسون.. ذهب الآباء المؤسّسون.. وجاء أحفادهم المقاولون والباعة الجوالون.. ذهب الذين صنعوا كل أزمنة النادي وإنجازاته.. وجاء الصناع المبتدئون.. ذهب الذين كتبوا التاريخ.. وجاء الذين لا يحسنون تعمير الفراغات في مطبوعة إ جازة أو إعارة أو إثارة.. ذهب الذين تركوا الغنائم والمكاسب بأنواعها.. وجاء المتقاتلون عليها.. ذهب المحاربون.. وجاء الهاربون من الجندية.. ذهب الذين صنعوا التاريخ.. وهجمت علينا الدهماء بالشماريخ.. ذهبت عذوبة الأغنيات وروعة الاحتفاليات ووحدة المدرجات.. وحلّت بنا محنة «القروبات» وفتنة المجموعات ودواهي «الفلامات».. ذهب كبار الحومة.. وحل محلهم الفائض عن الحومة من العنف والحقد.. ذهب الصاعدون بالنادي الى فوق.. وجاء «المتشعبطون» النازلون به الى تحت.. ذهب المحترفون في زمن الهواية.. وجاء الهواة في زمن الاحتراف.. (4) لكن وفي مواجهة فصول «النكبة» التي حلّت بجمعيتهم، لم يقف جمهور النادي موقف المتفرّج ولم يحن الهامات.. ولم يرفع الرايات البيضاء بل انصرفت قواه الحيّة الى التحرّك بكل اتجاه لوقف خط الانحدار والحيلولة دون مزيد من القفز الى الهاوية.. ولقطع الطريق على المنتفعين والمتمعشين والمتسلقين والمسترزقين من أزمة نادي التسعين.. ولفرط كثرة الأدلة على أن هذه القوى الحية فاعلة وموجودة، لا يمكن تعدادها.. ولكن أقواها وأبلغها يظلّ في نظري هو هذا الشحن المتواصل لماهية الانتماء الى الأحمر والأبيض.. وإخصاب دلالاته وتعميق معانيه بما جعل القاعدة الجماهيرية للنادي تمضي في الاتساع من جيل الى جيل على المستوى الكمّي والنوعي معا.. وهو أيضا هذا الدفاع المستميت على مقدّرات النادي ومكاسبه في كل فضاء أو منبر حيثما يكون محبّ للنادي وأيّا يكون الزمان والمكان والعنوان.. لذلك لم يتعجّب أحد من السرعة التي تشكّلت بها في الصيف الماضي هيئة الدفاع عن النادي الافريقي، ولا من المدى الذي أخذه احتجاجها القانوني على ما شاب الجلسة العامة الأخيرة من الخروقات والتجاوزات، ولا من الرمزية الكثيفة التي اكتساها تجمّع للمحامين المتيّمين بالأحمر والأبيض نشدوا لناديهم ما ينشدون لمهنتهم وربما أكثر من حقيقة وفضيلة وعدالة.. (5) بعد تسعين عاما من وجود هذه القلعة التي وضع الرواد المؤسّسون في العقود الثلاثة الأولى قاعدتها وأساسها، ورفع السيد عزوز الأصرم في الستينات والسبعينات عمادها ووطّد المرحوم فريد المختار في الثمانينات أركانها، يحقّ لكل محبّ للنادي أن يتساءل: ومن لها الآن..؟!