دخلت على الأعوان وهي في حالة يرثى لها، ثياب ممزقة وزرقة بادية على مستوى عينيها الى جانب عدّة خدوش بأنحاء مختلفة من بدنها. هكذا كان حال عجوز الستين لما بلغت مركز الحرس الوطني باحدى مدن الساحل. وبسؤالها عمن اعتدى عليها أجابت وقد خنقتها العبرات «إنه ولدي». نعم فعل الولد بأمه ما لا يفعله العدو بعدوه. وبمقتضى ذلك تم توقيفه وإحالته على أنظار العدالة لينال جزاء ما ارتكبت يداه في حق أعزّ الناس لديه. هذا ملخص قضية عقوق شهدتها مؤخرا احدى المناطق الساحلية وتفيد تفاصيلها بأن المظنون فيه وهو شاب في العقد الثاني من عمره انقطع عن الدراسة واتخذ من أصحاب السوء رفقاء يجالسهم أغلب فترات النهار. وكثيرا ما كانت هذه الجلسة تتحول الى جلسات لشرب الخمر. وقد كان الشاب رغم بطالته الدائمة يحصل على مصروفه اليومي من أمه أو من أبيه أو حتى من شقيقته في بعض الأحيان. ورغم دعوته الى ضرورة البحث عن عمل وكسب مصروفه بعرق جبينه وتطليق البطالة التي لم تزده إلاّ بطشا وتهوّرا وسوءا في السلوك إلا أنه أغلق أذنيه ليظل على حاله يعيش على الهامش دون أن تكون له شخصية أو يتضح له مستقبل. رفض فتعنيف وقد صادف أن عقد ذات مساء جلسة خمرية مع البعض من أصدقائه وفي خضم تلك الأجواء الممتعة واللحظات الحالمة بالنسبة إليه نفدت كمية الخمر وطلب منه الرفاق احضار المزيد حتى تكتمل النشوة. وبما أنه لم يكن لديه مال كاف لشراء ما طُلب منه فقد عاد أدراجه الى البيت وفي نيته أن يحصل من والدته على مبتغاه. لكن والدته وبمجرد أن عبر لها عن رغبته في الحصول على المال نهرته وأعادت على مسامعه تلك «الاسطوانة» التي تدعوه فيها الى العمل، وهي «اسطوانة» ملّ سماعها. وبما أنه لم يكن في وعيه فقد غابت عنه كل المشاعر الانسانية وانهال على والدته يلكمها على وجهها ولم يكفّ عن ضربها رغم صياحها وطلب النجدة من بقية أفراد العائلة وكذلك من الأجوار. سكين ولما أعياه الضرب توجه الى شقيقته التي تدخلت لتخليص والدتها وطلب منها مدّه بالمال اللازم لاتمام جلسته الخمرية لكنها رفضت بدورها تلبية رغباته. وهنا ثارت ثائرته وزاد هيجانه ودخل المطبخ ليخرج منه وبيده سكين تسلح بها عازما على قتل شقيقته التي فرّت هاربة. وبما أن الحال أصبح لا يُطاق وتحولت الحياة الى جحيم في هذا المسكن، فإن الأم لم تجد من حلّ سوى التوجه الى مركز الحرس الوطني لاشتكاء أمره الى الأعوان علهم يجدون لها حلاّ يخلصها من المشاكل التي أصبحت خبزها اليومي. وبالفعل رافق الأعوان الأم الملتاعة الى حيث تقطن وأوقفوا ابنها العاق واقتادوه الى المركز حيث أخضعوه للبحث قبل إحالته على أنظار العدالة.