بعد حواره المثير الذي نشرته «الشروق» مؤخرا أعدنا الاتصال بالسينمائي الطاهر شريعة من خلال زيارة خاصة الى مكان اقامته بمسقط رأسه بمدينة صيادة بناء على طلبه الملح بتمكينه من نسخة من هذا الحوار بعد نشره بحكم ملازمته للفراش بسبب حالته الصحية غير المستقرة والتي شهدت بعض التحسن الطفيف والذي سرعان ما غاب مما جعله يتفاعل معنا ويخصص لنا وقتا طويلا للاجابة على ما تبقى من أسئلة ومواصلة الحوار الذي انقطع سابقا بسبب تعكر حالته الصحية وانساق «سي الطاهر» في سرد أدق تفاصيل سيرته الذاتية كاشفا أشياء لم يسبق أن باح بها. تطرق الى بداية علاقته بالسينما عندما اكتشفها وعمره احدى عشرة سنة والى مسيرته التعليمية حيث كان للاديب محمود المسعدي التأثير البالغ في توجيهه الى دراسة الآداب وتركه مجال الحقوق بعد أن نال منه شهادة كما عرج على نوادي السينما في تلك الفترة ومساهمته في انشاء الجامعة التونسية لهذه النوادي ورئاسته لها. أيام قرطاج السينمائية وردة الفعل «فكرة تكوين أيام قرطاج السينمائية خرجت عن انفعال وغضب وكانت ردة فعل عنيفة جدا مني» فاجأنا تصريح السيد الطاهر والذي تبعه تفسير طويل يرجع الى يوم حضوره في ألمانيا للمهرجان الدولي للسينما ببرلين بدعوة من السفير الألماني بتونس حيث ذهب بصفته كصحفي بحكم أنه كان رئيس تحرير نشرية اخبارية خاصة بالسينما وتفاجأ بالفيلم الذي شاهده وهو من النوع الوثائقي طوله ثلاث ساعات عنوانه «الجنة وجمرة النار» والذي اكتشف أنه من انتاج اسرائيلي ألماني يصور المستوطنات الاسرائيلية على أنها الجنة فيما يصور الفلسطينيين والعرب عموما في مظاهر مهينة وغير لائقة مما جعل السيد الطاهر شريعة يغادر القاعة ويعاتب مدير المهرجان وهو في قمة الغضب قائلا: «ضع نفسك مكاني الا تعتبر ان هذا الفيلم اهانة لكل عربي» وطلب منه أن يحجز له مكانا للرجوع الى تونس ولكن مدير المهرجان اقترح عليه ان يجلس مع المخرج الاسرائيلي ويبلغه أراءه من خلال ندوة صحفية تجمعهم الثلاثة فاشترط السيد الطاهر شريعة أن تكون بحضور الراديو الألماني ويضيف قائلا: «لقد اكتشفت النوايا التي كانت وراء دعوتي وواجهت بها رئيس المهرجان الذي ارتبك في الكلام معتبرا أنه لا يمارس القمع في عرض فيلم دون آخر ومنذ ذلك اليوم قررت أن أبعث مهرجانا سينمائيا تونسيا لا يشبه أي مهرجان آخر بعيدا عن كل الشوائب غير شبيه بالمهرجانات التي تروج لأفلام رديئة فتنمقها وتسوقها والغريب أنك تجد الآخرين يتنافسون على شرائها فأردته مهرجانا غير تجاري ينطلق من اطار تونسي ثم عربي وعندما نتجاوز مسألة اللغة يكون افريقيا ثم عالميا ولا يكون كذلك الا بالتركيز على الخصوصية والتي من أجلها يأتي الناس من مختلف بلدان العالم لمتابعة هذا المهرجان. انقطعت الاستشارة! «كانوا في الماضي يستشيرونني ولكن منذ أربع دورات انقطعوا عن ذلك» هكذا أجابنا عن استفسارنا ان كانت احدى هيئات أيام قرطاج السينمائية تستشيره في بعض الاشياء مضيفا «أعتقد أنه لا فائدة من تلك الاستشارة ولهم الحق في ذلك فأنا لا ألومهم» وحول النصيحة التي يمكن أن يتقدم بها الى ادارة هذه الأيام يضيف «ليست لي أي نصيحة غير أن أوصيهم بالصدق لا غير». سأحضر لأول مرة على كرسي متحرك أكد السيد الطاهر شريعة ل«الشروق» أنه سيواكب هذه السنة أيام قرطاج السينمائية بعد غياب ست دورات استفسرناه عن سبب هذا الحرص عكس السنوات الاخرى فقال: «لي حلم طالما راودني وهو انشاء فضاء ثقافي فني في مسقط رأسي والتي يفتقد شبابها الى مثل هذا الفضاء فكم يؤسفني هذا الركود الثقافي في منطقة صيادة». الوصية حرص السيد الطاهر شريعة على مدنا بوصية فحواها كما يلي ك «أنا الطاهر شريعة أعلن أنني قررت اعلان وصية قانونية تتمثل في منح أرض على ملكي بمسقط رأسي بصيادة مساحتها قرابة 800 متر مربع الى وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بشرط أن تخصص النشاطات الثقافية في هذا الفضاء للسينما والآداب والفنون عموما» (انتهى فحوى الوصية) وأضاف قائلا: «لي أيضا النصف في هذا المنزل الذي أقطن فيه وهو منزل أبي وان وافق أخي صاحب النصف الآخر على بيع منابه فسأجعل كل المنزل يستعمل كمعارض لمختلف الانتاجات الادبية وفضاء كبيرا تقع فيه حفلات توقيع الادباء التونسيين على جديد مؤلفاتهم، أظن اليوم أنني قد قمت بأهم عمل يرضيني وأرجو أن تتم الأمور قبل أيام قرطاج السينمائية أو ليلة الافتتاح لذلك أنا سأتواجد هناك لتحقيق هذا الحلم». النوري بوزيد وفتحي الهداوي من الأسئلة التي لا يميل إليها الطاهر شريعة وتثير فيه التوتر تلك المتعلقة بالمقارنات بين المخرجين والممثلين معتبرا أن الابداع واحد محددا مفهومه كما يلي: «هو فعل لم يسبق اليه وأتاه فاعل وهو الانسان»، مضيفا: «المسألة تنحصر في هل لك ابداع أم لا» ورغم محاولة تجنبه الافصاح عن أسماء الممثلين الذين يشدونه ويعجب بأدائهم الا أنه صرح: «لا أريد أن أفضل ممثلا عن آخر» لكنه أقر في سياق الحديث باعجابه الشديد بفتحي الهداوي معتبرا أن ما أتاه من براعة بمثابة «المعجزة» واصفا اياه «بالممثل القدير الفاعل» على حد تعبيره كذلك عبر عن اعجابه بهشام رستم معتبرا اياه «من الممثلين الامجاد الكبار القادرين على الابداع» ثم تذكر آخر فقال: «هناك ممثل آخر يلبس قبعة التمثيل والاخراج أيضا وهو النوري بوزيد فهو من أكبر الممثلين، «كما أشاد العم طاهر بسناريو مسلسل «صيد الريم» معتبرا أنه «من بين أفضل السيناريوهات ومن أحسن الابداعات» التي قرأها في حياته واصفا اياه بالاكتمال والشمولية. لم أبحث عن المال أكد العم طاهر في سياق حديثه عن السينما أنه لم يكن يوما يفكر في الكسب المالي من السينما مضيفا: «كما ترى لم أكسب شيئا من السينما كانت هواية ورغبة داخلية لا غير وحب كبير جمعني بهذا الفن لا غير فلم تكن لي غايات مادية فكل همي والى الآن أن أتعلم وأبلغ المعرفة للآخرين، «وحول آخر مؤلفاته ذكر أنه بدأ منذ مدة قبل تعكر حالته الصحية في جمع ما كان يخطه من مذكرات يومية من أجل تجميعها في كتاب ويأمل أن يخرج الى النور. هكذا كان الحوار مع المبدع وأب السينما التونسية الطاهر شريعة والذي لا يسع ما حدثنا به صفحات كتب بما تميز به من معرفة وثقافة شاملة خاصة التاريخية منها ومن حرفية في مجال تقييم الاعمال السينمائية وتأسفنا كثيرا للحالة التي هو عليها والتي تتطلب المساندة في جميع مظاهرها.