فجأة أفقنا على الواقع المر وذهبت أحلامنا أدراج الرياح وسقطت تلك الأمنيات الوردية في الماء عندما صفعنا المنتخب الاولمبي لكرة القدم أمام كل العالم وفي ثاني اكبر تجمع كروي بعد المونديال. فرغم ما أغدقوا علينا من وعود ورغم الكلام الكثير خرجنا بخفي حنين لنعود أدراجنا بأسرع مما دخلنا هذه النهائيات التي نخط فيها خيبتنا الرابعة بفشلنا المتجدد في تجاوز الدور الاول، هذا الانجاز الذي أدركته عدة منتخبات لا يتوفر لها ولو النزر القليل مما وفرته بلادنا للاعبين كانوا قمة في الدلال والطلبات التي لا حد لها. والحقيقة تقال لم نجد لاعبين في كل أصقاع الدنيا وفي عالم الجلد المدور يجحفون في الطلبات مثلما يفعل بعض أشباه لاعبينا الذين تصوروا انفسهم بين عشية وضحاها أدركوا القمة وأصبحوا يحكمون بأحكامهم. لقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لما ترشحوا الى النهائيات واعتبروه انجازا تاريخيا والحال انه انجاز عادي بل ولابد من تحقيقه مهما كان اسم المنافس لأن ما تصرفه دولتنا على الرياضة وعلى كرة القدم بصفة خاصة يفوق ما تصرفه المنتخبات التي واجهناها مجمعة. بوادر الفشل لاحت منذ نهاية التصفيات حيث تصور اللاعبون والاطار الفني وحتى بعض مسؤولي الجامعة ان الغاية قد تحققت والحال ان التأهل ليس جديدا علينا ولابد ان تحققت مهما كان اسم المنافس فالمترشحون أربعة ونحن المتوجون بكأس افريقيا للأمم ولابد ان نكون منهم وهذا ما لم يفهمه البعض حيث ضخموا الترشح واعتبروه انجازا بطوليا وتاريخيا والحال ان منتخب 78 تأهل بمفرده للمونديال عن القارة السمراء وقهر أسودها وفهودها ونمورها وفيلتها وحتى ديكتها. ولا ندري لماذا «ألّه» البعض الللاعبين عند الترشح الى أثينا ليركب هؤلاء رؤوسهم وينزلوا بكل ثقلهم مطالبين بمنح خيالية حيث طلبوا ثلاثين ألف دينار «كاش» لكل واحد منهم وكانت الجامعة سخية معهم ومنحتهم نصف المبلغ وهو مبلغ لم يتحصل عليه لا عمالقة نيجيريا ولا أسود الكامرون عندما صالوا وجالوا في نهائيات كأس العالم. من هنا بدأت خيوط الفشل تنسج لتكون الخاتمة في طعم الحنضل. **تحضيرات مبتورة.. والأولوية للنوادي منذ الترشح الى نهائيات أثينا دخلنا في سبات عميق كأن أولي الامر لا يدركون حجم ما ينتظرونا فالتحضيرات لم تكن في قيمة منتخب وطني أولمبي يستعد لنهائيات الالعاب الاولمبية بل ان الاندية هي التي أصبحت تتحكم في تحضيراته وأصبحت لها الأولوية المطلقة فمنعت لاعبيها من المشاركة في التربصات وكأن مصلحة المنتخب لا تعنيهم في شيء وكأن كأس رابطة الابطال الافريقية وكأس العرب أولى من المنتخب ومما زاد الطين بلة ان الجامعة لم تحرك ساكنا واكتفت بالفرجة والحال انها المؤهل رقم واحد للدفاع عن المنتخب. ثم جاءت المرحلة الاخيرة للتحضيرات وقبل السفر بأيام معدودات كان المنتخب يستعد بعشرة لاعبين وكأن الامر لا يعني أحدا بينما كانت بقية المنتخبات تستعد على قدم وساق وتخوض التربصات والمقابلات الودية بينما ننحني نحن امام الاندية وأنانيتها وكأنها اهم من المنتخب وهنا تتحمل الجامعة والاطار الفني المسؤولية. فهذا الاخير كان من المفروض ان يقول كلمته ويعطي الاولوية في المنتخب للأكثر استعدادا للدفاع عن الراية الوطنية. **«معيز ولو طاروا» نأتي الآن الى اختيارات الاطار الفني البشرية فقد حدثت اكثر من مفاجأة وكانت خيارات غير عادلة بالمرة. فقبل تحديد القائمة النهائية صرح الاطار الفني للمنتخب الاولمبي بأن لا مكان لاي لاعب احتياطي في ناديه مهما كان اسمه واسم ناديه، وانتظرنا ان يفي بوعوده لكن حصلت اكثر من غريبة فقد ضمت القائمة لاعبين احتياطيين وخرج منها اكثر من لاعب ممتاز، فحتى الابله يدرك جيدا الفارق الشاسع بين محمد السليتي وصابر الطرابلسي، فالاول أحد أبرز هدافي البطولة وهداف النادي الافريقي الاول وفاز بلقب هداف البطولة سنة 2003 وجلب الكأس الى الملعب التونسي بعد جفاف عشرات السنين وفاز بذهبية الالعاب المتوسطية 2001 والتحق بالمنتخب اكثر من مرة. أما صابر الطرابلسي فظل احتياطيا في النجم الساحلي الى حدود شهر ديسمبر ثم التحق بالاتحاد المنستيري واكتفى بهدف يتيم طوال خمسة اشهر وهو الذي يلعب رأس حربة وظل احتياطيا في فريق الرباط قبل ان يطالبوه بالرحيل ولا ندري بأي مقياس تم تفضيل الثاني على الاول. لن نستمع لموّال الانضباط وغيرها لان الاطار الفني يقدر متى شاء على فرض الانضباط على الجميع مهما كان حجم اي لاعب.. ثم ان التجاوزات التي يحكون عنها موجودة في كل فريق ومنتخب والاطار الفني هو القادر على ايقافها. ومع ذلك أصر الاطار الفني على اختياراته رغم خطئها تحت شعار «معيز ولو طاروا» نفس الكلام نقوله عن احمد الحامي الي يعد أبرز ما نملك في خطة وسط ميدان دفاعي ولا ندري لماذا تم حرمان المنتخب منه وحتى حكاية التعويل على الشبان الصاعدين في خطته فهي مردودة على أصحابها لان هؤلاء تاهوا في أثينا ولاحوا دون مستوى الحدث ولم يقدروا على مجاراة النسق. **«فزورة» صانع الألعاب» الكل يعلم ان منتخبنا الاولمبي سافر الى اثينا بلا صانع العاب ولما سألنا نبيل معلول قبل السفر حول هذه النقطة أكد على ان للمنتخب اكثر من صانع العاب وتحديدا خالد المولهي وعصام جمعة. وهذا يثير الاستغراب فعلا فالمولهي ليس صانع العاب والكل يعرفه منذ كان في الاصناف الشابة. أما عصام جمعة «فقالت لهم اسكتوا» فلاعب الترجي القادم من مدنين لم يشغل هذه الخطة يوما في حياته. فهذا اللاعب يشغل خطة مهاجم ويلعب اما كرأس حربة او جناحا مموها لأنه سريع التوغل والمباغتة ولا ندري كيف ألصقوا به «تهمة» صانع العاب.. وهنا نسأل المدرب نبيل معلول : كيف لا تميز صانع الالعاب وأنت كنت صانع الالعاب البارع فهل يفعل عصام جمعة ما كنت تفعله انت على الميدان؟ وفي أثينا كانت المفاجأة التي لم ينتظرها احد وتحول عصام جمعة من «صانع العاب»« الى «متفرج» خارج القائمة وضمن المجموعة «السياحية» التي استغنى عنها هناك!!! حاولنا اعن نفهم فلم نقدر. مقابل ذلك استغنى الاطار الفني عن بسام بن نصر ولئن برّره بأن هذا اللاعب غير جاهز ولم يتدرب فإننا نتساءل لماذا لم تقع متابعته عندما توقفت بطولة الوطني «ب». **قمامدية اللغز!!! هيكل قمامدية مهاجم نفاثة روع كل الحراس وطنيا واقليميا وساهم مساهمة فعالة في تتويج النادي الصفاقسي بتاج العرب وكان احد افضل الهدافين وضع الاطار الفني أمامه حاجزا نفسانيا صعب عليه تجاوزه حيث ظل احتياطيا طوال التصفيات ثم تم رميه الى المدارج ولم يدرج اسمه ضمن القائمة النهائية والحال أنه الافضل. **أربعة على الرواق الأيسر لعل أطراف ما أقدم عليه الاطار الفني اختياره أربعة لاعبين يشغلون نفس الخطة وهم العياري والبحايري والمشرقي وكلايتون فكان من الاحرى الاستغناء عن اثنين منهم. فالبجايري لاح محدود الامكانات وكان نقطة ضعف المنتخب في كل المقابلات التي لعبها والكل يذكر لقاء المغرب (2/2) في المنزه كيف توج مردوده الهزيل بورقة حمراء وكان من الاجدى الابقاء على المشرقي الذي يلعب باندفاع كبير ولا يتفلسف على الميدان ويلعب كرة سهلة. وواصل الاطار الفني التعويل على البحايري فكان صحبة الحقي وراء هدف المنتخب الاسترالي. أما كلايتون فلا ندري ما جدوى وجوده وحتى الهدف الذي سجله لن يشفع له عن تواضع المردود وكان من الاجدى اختيار لاعب اخر مكانه يشغل خطة وسط ميدان هجومي. **التفكير في العقود لا أحد من لاعبينا بإمكانه ان ينكر ان تفكيره كان منصبا على العودة والرغبة في الاحتراف وهذا من حق كل واحد لكن الظهور بذلك المستوى لن يخول لهم اللعب حتى في الاقسام السفلى في أوروبا (باستثناء علي الزيتوني ومحمد الجديدي) فمن يريد الاحتراف عليه ان يحرث الميدان طول وعرضا ويغتصب اعجاب الآخرين ويقدم للمنتخب الذي اعطاه المال والشهرة وكان سبب تواجده في العاصمة الاولمبية بعد ان كان مغمورا في بعض القرى والنوادي الصغرى. **شعلة خامدة هل أدرك بعض المحترفين مبتغاهم؟ هذا السؤال يقفز الى ذهن كل من تابع مباريات المنتخب الاولمبي فهل ان حقي هذه الدورة هو حقي كأس افريقيا للأمم؟ وهل ان علاء الدين يحيى هو نفسه؟ وهل ان أيمن اللطيفي هو لاعب المنتخب الاول الذي عرفناه منذ مواسم شعلة لا تهدأ؟ وهل ان حسين الراقد هو ذلك الذي يتحدث عنه الجميع؟ وهل ان بعض اللاعبين الآخرين هم أولئك الذين حرثوا الميادين قبل تحديد القائمة النهائية؟ أسئلة نطرحها بكل براءة على هؤلاء اللاعبين. فهل انهم أدركوا غاياتهم ولم يعد يعنيهم امر المنتخب؟ أم انهم أصبحوا نجوما لا يشق لهم غبار؟ على كل هم بدورهم تضرروا جراء ذلك المردود المخجل ولن يلتفت اليهم أحد وسقطت أحلام العقود في الماء. **رجل كألف لا جدال في ان النقطة المضيئة في المنتخب كانت اللاعب محمد الجديدي بدرجة اولى وعلي الزيتوني بدرجة ثانية فالجديدي أثبت ان التعويل عليه كان في محله ولا نظن ان سانطوس لو جاء كان سيفعل افضل مما فعله ابن قرمبالية. أما علي الزيتوني فقد قدم أفضل المقابلات وكان متواجدا في كل مكان. في كلمة لو لعب الجميع بروح ا لزيتوني والجديدي لتأهلنا بامتياز الى الدور الثاني ولذهبنا بعيدا. الغريب ان الاطار الفني ترك هذا الثنائي على مقعد الاحتياط في لقاء الارجنتين لأسباب لا يفهمها سواه. **الخلوفي والمظلمة الجديدة ان كان هناك لاعب تعرض لأكثر من مظلمة في المنتخب الاولمبي فهو دون شك الحارس جاسم الخلوفي الذي كان له الفضل الاول في تأهلنا الى النهائيات فقد أعادنا في السباق وقدم الكثير قبل ان يجلبوا له خالد فاضل الذي لم يقدم اضافة تذكر. عيب ان يحرم حارس قدم الكثير من المشاركة في تظاهرة بحجم الالعاب الاولمبية بعد ان كان له الفضل في ادراكها. **من يحكم المنتخب الاولمبي؟ هذا السؤال تجبنا طرحه في السابق حفاظا على نقاوة الاجواء كما يرددون ومن اجل دفع عجلة المنتخب الى الامام كان لزاما علينا تجنب الاحراج والتجريح، لكن آن الاوان لنتساءل : من يحكم المنتخب الاولمبي ولمن الكلمة الفصل؟ لخميس العبيدي ام لنبيل معلول ام لمدرب المنتخب الاول روجي لومار؟ كل ما يمكن قوله ان التيار بدا لا يمر بين افراد الاطار الفني ولا احد بإمكانه انكار ذلك وهو ما أدى الى انسحاب المدرب المساعد يوسف السرياطي الذي رفض ان يكون عجلة خامسة. أما علاقة لومار بالاطار الفني للمنتخب الاولمبي فهي متوترة وعين الشمس اكبر من الغربال كما يقال. ولا احد يمكنه انكار توتر العلاقة بين عناصر الاطار الفني ويكفي ان نذكر ان خميس العبيدي لم يحضر الاعلان عن القائمة النهائية فرغم حكاية المرض فإن المقربين منه أكدوا انه لم يكن راضيا عن القائمة وان غيابه كان حركة احتجاجية. لذا لا مجال للتغطية ونعم للشفافية لأن عشرة ملايين قد خفقت وراء هذا المنتخب ومن حقها معرفة ما يحدث في الكواليس. **انسحاب وبعد؟ الآن وقد «وقعت الفأس في الرأس» كما يقال ما علينا سوى الاعتبار بما حدث والتفكير االعميق لتجنب مثل هذه المهازل التي ساهمت عدة أطراف في صياغتها. لكن الاهم من كل ذلك هو محاسبة كل طرف وتحميله مسؤوليته بدءا بالاطار الفني مرورا باللاعبين الذين أخذوا الكثير وأطنبوا في الطلبات دون ان يقدموا شيئا. * عبد العزيز -------------------------------------------------------- **هل هذا معقول.. يا معلول ؟ من حق المدرب الوطني نبيل معلول ان يدافع عن اختياراته وعن مبادئه وعن خططه الفنية.. ومن حقه ان يقف في وجه الرياج التي تنفخ ضده والتي ستحول هذه الايام الى عاصفة حقيقية قد يختلط فيها الاخضر واليابس.. والحابل بالنابل.. لكن ان يؤكد معلول على ان ما حققه المنتخب يعتبر «انحازا» فهذا مردود عليه.. لأن تونس اليوم بما توفره لأبنائها الرياضيين لا يجب ان تتوقف اكبر أحلامها وأهدافها على انتصار يتيم ثم انسحاب مُرّ.. ولو كان هذا الامر جرى منذ عشرات الاعوام لصفقنا له ولاعتبرناه لا يصدق مثلما حصل مع مونديال الارجنتين الذي أطلقنا عليه اسم «ملحمة» وكأننا عدنا بكأس العالم. تصريح معلول لإحدى الفضائيات العربية فاجأ الجميع لأن الكرة التونسية بما يتوفر لها اكبر من الفوز على صربيا مونينيغرو بصعوبة كبيرة.