أشهر قليلة مرت على تولي دفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين رئاسة الحكومة البريطانية ليجد الرجل نفسه في قلب العاصفة، مع تهديد النقابات العمالية بموجة احتجاجات واضرابات رفضا لسياسة الحكومة الاقتصادية. ويدرك كاميرون منذ وصوله الى «10 داونينغ ستريت» أن تحديات كثيرة بانتظاره، خاصة وأنه ورث عن سلفه العمالي غوردن براون تركة ثقيلة من المشاكل الاقتصادية والسياسية وفي أول قرار له لاصلاح ما «أفسدته» الحكومة العمالية (السابقة) اصطدم براون بعقبة ليس من السهل تجاوزها بالنظر لثقلها وتأثيرها في القرار السياسي، ألا وهي النقابات العمالية التي تعد واحدة من المعادلات الصعبة في سير وتسيير الحكم في بريطانيا. برندان باربر الأمين العام لمؤتمر اتحادات العمال لوح بتنظيم احتجاجات عارمة ما لم تتراجع الحكومة عن قرار تقليص النفقات. وقرار الحكومة يعني عمليا تسريح ما يقرب عن نصف مليون عامل في القطاع العام. وفي حال نفذ باربر تهديداته، فإن بريطانيا ستشهد شللا شبه كامل للمرافق العامة من نقل وصحة وتعليم (...) وما الى ذلك من القطاعات الخدماتية الحيوية. وعزا دفيد كاميرون قراره الى ضرورة معالجة العجز في الميزانية وتعزيز الاقتصاد البريطاني، وهي حجة لم ترق لنقابات العمال التي تعتقد أن معالجة تردي الوضع لا يكون بتسريح نصف مليون من وظائفهم. برندان باربر الذي تولى رئاسة مؤتمر اتحادات العمال، ليس بالشخصية الهينة بحسب ما يعتقده مراقبون للشأن البريطاني وليس من السهل أن تمر خطة الحكومة لتقليص النفقات، ما لم تسمح النقابات العمالية بذلك، والمسألة ليست مسألة عناد سياسي، بقدر ما هي اعتراض على سياسة حكومة كاميرون في الشأن الاقتصادي والاجتماعي. ويقول باربر ان الهدف من الاحتجاجات التي يجري الاعداد لها، هي دعوة للحكومة لمراجعة قرارها والتفكير في طريقة أخرى لمعالجة الخلل بدلا من خلق معاناة أخرى تثقل كاهل البريطانيين. على خطى ساركوزي ويبدو رئيس الوزراء البريطاني دفيد كاميرون الذي نجح في توحيد صف المحافظين واعادتهم الى السلطة، يبدو متمسكا بتنفيذ برنامجه الاقتصادي برغم المنغصات التي قد تسببها الاحتجاجات والاضرابات المتوقعة. وفي حال استمر كاميرون في خططه، يكون قد سلك الطريق ذاتها التي سلكها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أصر على تمرير قانون التقاعد الجديد، متجاهلا سيل الاعتراضات والاحتجاجات. الأزمة الحالية بين الحكومة واتحادات النقابات لا تزال في مراحلها الأولى وهي مرشحة للتصعيد ما لم يتوصل طرفاها الى حل توافقي يرضي حكومة كاميرون ولا يغضب النقابات. ولا يزال الوضع الراهن في حدود اعلان القرار الحكومي المتعلق بخطة التقشف مقابل وعيد من اتحادات النقابات بموجة احتجاجات ومظاهرات. والمشهد بتجلياته الراهنة: اعلان وتصعيد (اعلان حكومي... وتصعيد نقابي) في انتظار أحد أمرين اما أن تعدل الحكومة عن خطتها التقشفية أو تعديلها، أو «طوفان» من الاحتجاجات والاضرابات يهدد بريطانيا بالشلل.