بكل تأكيد، تبقى بلادنا موطن الأفكار الكبرى والمبادرات الكونية البنّاءة... وتبقى بلادنا أيضا قلعة الفعل الرصين لبناء ما ينفع الانسان وما يوفر له سبل ومقومات العيش الكريم... ذلك هو دأب بلادنا وقيادتها الحكيمة وذلك هو قدر تونس على مرّ الأزمنة: أن تشع كأرض للخير والتعايش وتربة لإخصاب الأفكار والمبادئ الكبرى. والقمة الفرنكفونية الثالثة عشرة الملتئمة في سويسرا كانت محطة جديدة لطرح المزيد من الأفكار والرؤى التونسية التي تقطع مع كل أساليب التسويف والسفسطة التي تعجّ بها المنتديات الدولية والأممية... وتطرح بدائل ملموسة، بالإمكان إنجازها، وهي قادرة بالتأكيد على حلّ مشاكل عويصة تعاني منها كل شعوب المعمورة ومن ضمنها الشعوب المستعملة للغة الفرنسية. هذه الأفكار والرؤى طرحها الرئيس بن علي في الكلمة التي توجه بها الى القمة والتي ألقاها نيابة عنه السيد كمال مرجان وزير الشؤون الخارجية. وهي أفكار ورؤى شملت ما يمسّ بطن الانسان وعقله في آن حتى تستوي المعادلة وتكتمل شخصية الانسان في بيئة طبيعية وفكرية سليمة. ولأن الأمن الغذائي هاجس كبير لشعوب العالم الثالث، ولأن التصحّر وكذلك إفرازات التغيرات المناخية تبقى من أهم المخاطر التي تهدد الانسان، فقد دعا رئيس الدولة الى «تفعيل برامج تعاون ناجعة» تفضي الى «تطوير البحث ونقل التكنولوجيات الزراعية وإرساء برامج طويلة المدى لحماية الاراضي الزراعية والموارد البيولوجية»... وكل هذه مداخل لتعبئة الموارد والطاقات وتوحيد الصفوف والجهود في تحقيق الأمن الغذائي الذي يبقى مفتاح أمن واستقرار الشعوب والمجتمعات. في الجهة المقابلة، وعلى صعيد التعاطي مع الشأن التربوي والثقافي في عالم معولم، فقد حذّر سيادته من مخاطر التنميط الثقافي وكذلك من الانغلاق ودعا الى تفعيل قيم التسامح واعتماد الحوار البنّاء والتبادل النزيه ل«تعزيز الأمل في بناء عالم أكثر انفتاحا وتسامحا وعدلا»... إنها أفكار نيّرة ورؤى خيّرة تسطع في عالم يتقاذفه الجشع ونوازع الاستغلال والهيمنة... وهي أفكار ورؤى تنحاز للانسان وتتجه الى توفير أمنه الشامل لغذاء الجسد والعقل والروح بشكل يعلي راية الاعتدال والتسامح ويقطع الطريق على كل آفات الهيمنة والتطرف مهما كان مأتاها.