كلفة تدخين 20 سنة من عمري تعادل ثمن سيارة فاخرة... أشتري كيلوغراما من الغلال يوميا تعود على صحتي بالخير عوض علبة سجائر تدمّرها وتلقي بي في دوامة العلاج... ما الفائدة من الأموال الطائلة التي نجمعها ولا نستطيع التمتّع بها بسبب المرض؟... كانت هذه شهادات لبعض المدخنين الذين تورّطوا في التدخين وحاولوا الاقلاع عنه بعد أن اكتشفوا أن فاتورته باهظة جدا والعلاج من أمراضه صعب وأحيانا مستحيل والسؤال: أي فاتورة ندفع عندما ننساق وراء تناول هذه الآفة القاتلة؟ وما هي الكلفة الحقيقية التي يتكبّدها المستهلك والدولة؟ تتراوح أسعار علب السجائر التي تروّج ببلادنا بين 1200 مي و4500 مي وبخصوص الأضرار الصحية فهي واحدة حيث أكد المختصون أنه لا فرق بين البخس وباهظ الثمن كلما تم تناول هذا الموضوع. ولكن الاختلاف في الثمن يحدّد نوعية المستهلك وقدرته الشرائية وعادة ما يستهلك ذوو الدخل المحدود والعاملون في قطاع البناء والمقاهي مثلا أكثر من علبة في اليوم. وبرزت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الافراط في الاستهلاك لدى من يعملون في مجال الحسابات أو من لديهم مسؤوليات جسيمة أو حساسة. ومع اختلاف الأصناف والشرائح يمكن عند الحديث عن الكلفة الجزم بأن ذوي القدرة الشرائية المحدودة يشعرون بالضرر بصفة مباشرة لأن معدّل إنفاق 90 دينارا شهريا حسب المعطيات الاحصائية يضرّ بالميزانية ويحرم العائلة من أشياء ضرورية للعيش لاسيما منها الغذاء. أما الميسورون فيمكن القول بأنهم يتضرّرون بصفة غير مباشرة وذلك عند الاصابة بمرض خطير ومزمن يتطلب مصاريف علاج كبيرة وطويلة المدى. إذن لا أحد يستطيع أن يتملّص من فاتورة التدخين. خسارة أحد المدخنين وهو مربّ قال ل«الشروق»: لقد قمت بعملية حسابية بسيطة فوجدت أني صرفت ثمن سيارة محترمة خلال سنوات التدخين. وأضاف أنه نادم لأنه أضاع المال ويخشى أن تظهر عليه بعض الامراض الخطيرة فيتضاعف ندمه لأنه يعلم أن انعكاسات التدخين على الصحة تظهر في مرحلة لاحقة. أما أحمد البجاوي فهو مدمن على التدخين شعر بخطورته على الصحة والميزانية فأقلع عنه وتوجّه نحو الشيشة فوجد نفسه متورّطا في الادمان من جديد ولما عاد الى التدخين أصبحت الكارثة أكبر لأنه حاليا يصرف أكثر ويضرّ صحته أكثر. وعن هؤلاء قال: «الدكتور هشام عوينة أخصائي في الأمراض الصدرية ومشرف على عيادة منع التدخين بشارل نيكول إن الادمان لدى هؤلاء دخل مرحلة السلوك اليومي الذي لا يمكن الاستغناء عنه». وبخصوص دوافع الراغبين في الاقلاع عن التدخين المقبلين على عيادته أكد الدكتور أن السبب الرئيسي هو الخوف على الصحة وليس بسبب الكلفة لكن تفكيرهم هذا قد يستبطن الخوف من كلفة العلاج في حال الاصابة بأمراض خطيرة. أموال المجموعة الوطنية تعدّ تونس حسب بعض الدراسات الأولى عربيا في عدد المدخنين حيث بلغت نسبة المدخنين 50٪ لدى الذكور و10٪ لدى الإناث كما أن 65٪ من التونسيين الذين تتجاوز أعمارهم 25 عاما هم من المدخنين وهذه الاحصائيات المفزعة تجرّنا الى الحديث عن كلفة علاج الامراض الناجمة عن التدخين وما تدفعه المجموعة الوطنية يوميا من أموال يمكن استغلاله فيما هو أهم. فعلى سبيل المثال الصندوق الوطني للتأمين على المرض تكفّل بالمصابين بالامراض الثقيلة والمزمنة الى غاية 31 ديسمبر 2009 بما قيمته 118 مليارا و752 مليونا واحتل ارتفاع ضغط الدم الشديد مرتبة الصدارة في قرارات التكفّل بنسبة 39٪ والسكري 28٪ واعتلالات الشرايين التاجية وتعكّراتها 6،3٪. ولا ننسى أنه يوجد العديد من المرضى الذين لا يمرّون عبر «الكنام» ويعالجون بطرق أخرى كبطاقات العلاج المجانية أو التعاونيات والكل يصبّ في خانة واحدة هي أموال المجموعة الوطنية التي تضيع هباء بسبب التدخين. ونختم بميسوري الحال الذين يعتبرون ثمن علبة السجائر نقطة في بحر أموالهم ولكنهم تورّطوا في الامراض المزمنة والثقيلة فتساءلوا: ما الفائدة من الأموال الطائلة التي نجمعها وأجسامنا مريضة؟ مؤشرات وأرقام يستهلك التونسي معدل 17 سيجارة يوميا وينفق 90 دينارا شهريا على التبغ. أول نبتة تبغ زرعت في تونس سنة 1830. الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد تنتج 320 مليون علبة سنويا مما يقابل 900 ألف علبة يوميا. يساهم قطاع التبغ بنسبة 8٪ من ميزانية الدولة. 118 مليارا و752 مليونا هي كلفة الأمراض الثقيلة والمزمنة التي تكبّدتها «الكنام» فقط خلال 2009. «الكنام» تكفّل ب45 مليارا و268 مليونا خلال 2009 للعمليات الجراحية على القلب. 167 مليارا و280 مليونا هي مصاريف الأدوية الخصوصية، 62٪ منها للأمراض السرطانية خلال 2009. يعصف التدخين بقرابة 7 آلاف تونسي يوميا. أخصّائي في أمراض القلب والشّرايين: كلفة علاج مريض بالقلب... 5 ملايين تونس الشروق : أكد أخصائي في أمراض القلب والشرايين أن التدخين يتسبب في الاصابة بأمراض الشرايين التاجية بنسبة تناهز 75٪. وهذه الأمراض هي الأخطر بالنسبة للمصاب لأن هذه الشرايين هي التي تغذّي القلب واعتلالها يؤدي الى موت المصاب مباشرة كما أن علاجها يتطلب كلفة باهظة. وأوضح ان كلفة مرضى القلب في تونس تصل الى عشرات الملايين خاصة الشرايين. إذ تناهز كلفة المريض الواحد 5 آلاف دينار سنويا فيما تقدّر عمليات القلب ب10 آلاف دينار وفي حالة القصور يتم الاستعانة بآلة ضخّ الدماء وثمنها 45 ألف دينار. وأضاف أن الكلفة كذلك ترتبط بمدة حياة المريض وعموما معدل كلفة العلاج تتراوح بين 4 و5 آلاف دينار سنويا للمريض الواحد. الإقلاع وحول إقبال المرضى على الاقلاع عن التدخين أفاد نفس الأخصائي أنه للأسف رغم معاناتهم من المرض فإن الأغلبية لا يقلعون عن التدخين رغم ان ذلك يساعدهم على تخفيف الألم. ونصح بأهمية تحسيس المرضى في هذا الغرض سيما وأن كلفة العلاج تجرّنا الى الحديث عن الكلفة الاجتماعية حيث ان المريض عادة ما يكون أبا لعائلة فتتأثر ميزانيتها كما أن المرض يؤثّر على العمل ويتسبب في كثرة الغيابات سيما وأن المريض يحتاج الى الراحة بعد حصص العلاج.