... على امتداد كامل أيام هذا الأسبوع تشهد أروقة كلية الطب بتونس معرضا من نوع خاص من خلال أكثر من 120 لوحة اطارها العام الكتابات الطبية التونسية على مدى عشرون قرنا من التاريخ. عشرون قرنا من التاريخ الطبي في تونس مكنوزة في سطور تلزمك لتقف مشدودا اليها من الدكتورة توحيدة بالشيخ أول فتاة متحصلة على الباكالوريا في تونس سنة 1928 وهي تلميذة نهج الباشا والتي أصبحت في ما بعد طبيبة مختصة في التوليد الى مخطوطات وكتابات أبي جعفر احمد بن أبي خالد المعروف بابن الجزار القيرواني والذي توفي في سنة 890 ميلاديا ومنها «الاعتماد في الادوية المفردة» والذي تعرض من خلاله الى أكثر من 280 دواء مفردا من أصل نباتي ومعدني وحيواني كذلك الكتاب الطبي لطب الأطفال «سياسة الصبيان وتدبيرهم». تاريخ الحضارة أروقة المعرض الحاملة لتاريخ المخطوطات والكتابات الطبية تأخذك بدورها في رحلة الى كتاب حفظ الصحة والمصطلحات الطبية المعتمدة في عصر القرن 15 ميلاديا من خلال كتابات أبي القاسم بن ابراهيم الأزدي الانصاري المشهور بكنية «اللبني القروي» الى رسائل الماجستير في تاريخ الحضارات الوسيطة للأطباء المقيمين بتونس وكتاب الدكتور «محمد الصقلي» عن مرض السل تحت عنوان «المختصر الفارسي». مخطوطات وقواميس المخطوطات الفريدة من نوعها الحاملة بين أسطرها تاريخ تونس الطبي على امتداد عشرين قرنا احتلت بدورها مكانا لها على جدران رواق الكلية لتكون شاهدا على كون الطب التونسي هو طب أصيل له أناسه وتاريخه، مخطوطات أبي جعفر أحمد بن محمد بن الحشاء هي عبارة عن قاموس خاص بالمصطلحات الطبية المتعلقة بالالفاظ المهينة واسماء الأدواق والأعضاء والأدوية والعقاقير وهذا الكتاب يعتبر من أهم ما كتب فعلا حيث ألفه صاحبه بطلب من أمير تونس أبو زكريا يحيى وقد توفي الدكتور أبو جعفر الحشاء في القرن 13 ميلاديا. حسيبة غيلب أول طبيبة أطفال في تونس في زمن الحماية حاضرة في أروقة كلية الطب الى جانب الطبيب احمد الدهماني (كان على قيد الحياة سنة 1834 ميلاديا) وهو الذي برع في معالجة مرض الزهري بتونس وفرنسا في ذاك العصر. ولم ينس المعرض الذي يتحدث عن الطب التونسي في عشرين قرنا من التاريخ عن أول عيادة أو مستوصف فتح للعموم بدار ابن الجزار في بداية القرن 20 وتحديدا سنة 1345 هجريا والذي باشره الحكيم راضي فرحات وأحمد بن ميلاد والطاهر الزاوش ومحمد حجوج والآنسة بن مصطفى. أسبوع تاريخ الكتابات الطبية سيكون شاملا بدوره لثلاث محاضرات قيمة أولها اليوم الاربعاء «حول تاريخ التلقيح في تونس» ويقدمها الاستاذ الهاشمي الوزير مدير معهد باستور والمحاضرة الثانية غدا الخميس بعنوان« البحث العلمي والطبي في قرطاج» ويقدمها الاستاذ صدام حمزة رئيس قسم جراحة العظام بمستشفى الرابطة والمحاضرة الثالثة ستكون يوم الجمعة ويقدمها الاستاذ أحمد ذياب من كلية الطب بصفاقس والكاتب العام لجمعية تاريخ الطب في تونس تحت عنوان «هل يوجد الطب العربي؟.» حين تتجول بين أروقة التاريخ وتقرأ ذاك المخزون المكنز لتاريخ الطب في تونس... على مدى عشرين قرنا كاملا... وتكتشف تلك المخطوطات النادرة والفريدة للطب بأسلوب قوي وبلغة عربية فصيحة لا يمكنك الا أن تعلق: «كيف لا يكون العلم والطب عربيا اذن؟.