قدّم الدكتور رضا الإمام، أخصائي الطب الباطني وطب الشيخوخة وهو التونسي والافريقي الوحيد المشارك في المؤتمر الثاني والأربعين للجمعية الدولية لتاريخ الطب الذي انعقد مؤخرا في القاهرة، مداخلة فاجأت وأذهلت ما يزيد عن 200 باحث وأطباء مختصين في تاريخ الطب من أربعين دولة. فقد أفاد أن مكتشف السماعة الطبية وعلى خلاف ما هو شائع ليس الطبيب الفرنسي روني ليناك «Rénie Laennec» في القرن التاسع عشر (سنة 1816) ولكن المكتشف الحقيقي الطبيب التونسي محمد الصّقلي في القرن الخامس عشر في تونس في عهد السلطان الحفصي أبي فارس عبد العزيز. وبيّن: «يعتبر التشخيص الطبّي بالسماعة أحد أهم اختراعات العلوم الطبية عبر التاريخ وقد كان أبقراط قبل التاريخ الميلادي يسمع بعض الأصوات تنبعث من صدور المرضى ولكن دون أن يعير ذلك أي اهتمام وحسب المؤرّخين فإن الأطباء القدامى ظلّوا لا يعرفون السماعة الطبية الى حدود القرن التاسع عشر عندما اخترع الطبيب الفرنسي روني ليناك أول سمّاعة طبية ثم بعد ذلك قام بتطويرها، طبيب القلب الأمريكي ليتمان «Lithman» في أواسط القرن العشرين وهي السماعة التي يستعملها كافة الأطباء اليوم. وقد تساءل الدكتور رضا الامام كيف يمكن أن تبقى البشرية ألفي عام لتكتشف التشخيص الطبي عن طريق السماع؟! وتوصّل بعد البحث المعمّق أن اكتشاف السماع الطبّي عن طريق الطبيب التونسي محمد الصّقلي يمثل احدى الحلقات المفقودة لتاريخ الطب. في الذاكرة وظلّ محمد الصّقلي حيّا في الذاكرة الشعبية التونسية وممّا يؤكد ذلك الأمثال الشعبية مثل: «يا طبيب الصْقُلِّي دَاويني بكُلِّي» والشعر أيضا: «عينيكْ سَهْم مكّان هُومَا سبَبْ مَرْضي وذُلِّي والحبّ لا فيه فكّان لَوْ تجيبلُو الطبيب الصْقُلِّي» وتقول الأسطورة حوله إنه كانت له القدرة على معالجة جميع الأمراض حتى المستعصية منها. ولكن رغم هذا الحضور في الذاكرة الشعبية إلا أن محمد الصقلي بقي مجهولا لدى العلماء الى القرن العشرين عندما أعاد اكتشاف أعماله الطبية الحكيم المرحوم أحمد بن ميلاد. وسبب ذلك هو فقدان أغلب وثائق أرشيف السلطنة الحفصية زمن الاحتلال الاسباني لتونس من سنة 1535م الى سنة 1574م تحت إمرة الامبراطور شارل الخامس فقد قام جنوده بهدم العديد من الآثار بباب بحر وباب بنات ونهب المكتبات وحرق وإتلاف العديد من الكتب. سطع نجم الأطباء الصقليين زمن الحفصيين وبرز محمد بن عثمان الصقلي الذي وُلد بتونس في نهاية القرن الرابع عشر ميلادي ودرس الطب بجامع الزيتونة وعمل بمستشفى الحفصي «المورْسْتان» وهو أول مستشفى يتمّ بناؤه في العاصمة تونس في عهد السلطان الحفصي أبي فارس عبد العزيز (1393م 1434م). من أهم مؤلفاته كتاب «الوقاية من الأوبئة» الذي أهداه الى ملك مصر الظّافر وكتاب «المختصر الفارسي» الذي أهداه الى السلطان الحفصي أبي فارس عبد العزيز وبرع خلاله في وصف الأمراض مع ذكر العلاج وتفرّد بوصف مرض السّلّ ومرض الرّمد ولا يزال يدرّس في كليات الطب. الأول فهو أول من تفطّن الى أن السّل يحدث قروحا بالرّئة وقد شخّص هذا المرض عن طريق سماع الصّدر وقد اخترع مصطلحا جديدا لوصف الصوت المنبعث من قروح السلّ وهو مصطلح «خَشْكَريشَة». وبهذا يكون محمد الصقلي قد حقّق سبقا إذ سبق بهذا الوصف الدقيق الذي لا يزال يتعامل به الى حدّ اليوم علماء عصره ويكون قد سبق باستعمال سماعة الصّدر في تشخيص أعراض الرّئة ليناكْ بأربعة قرون، كما أنه قدّم وصفا سريريا وتشريحيا للمراحل الأربعة لمرض الرّمد لم يتوصّل إليه العلماء من بعده إلا في القرن التاسع عشر. فمن حقّ تونس أن تفتخر به وتزيل الغبار عن مؤلفاته وتشجع على نشر أفكاره.