مع اقتراب موعد انعقاد المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل في النصف الاول من شهر فيفري القادم تتطلع أنظار كل النقابيين الى القرارات التي ستصدر عنه باعتباره أعلى سلطة قرار بين مؤتمرين. ولا يخفى على المراقبين والمتتبعين للشأن النقابي الآن ان المجلس الوطني القادم سيكون من أهم وأخطر المجالس الوطنية التي تمت وانعقدت على مدى أكثر من نصف قرن من تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وذلك لعدة اعتبارات. فقد أفرز مؤتمر جربة «الاستثنائي» والديمقراطي وضعية قانونية داخل المركزية النقابية بإقرار تحديد للمدة النيابية لأعضاء المكتب التنفيذي الوطني بمن في ذلك الأمين العام. ويعرف الجميع ان اقرار ذلك القانون كان في ظروف خاصة مرت بها المنظمة الشغيلة بعد إقالة الأمين السابق إسماعيل السحباني ويقر الجميع ايضا ان جرعة الديمقراطية في مؤتمر جربة 2002 كانت بلا حساب وكان الحماس وراء الاندفاع بتنقيح القانون في مؤتمر استثنائي في حين ان تنقيح قوانين المنظمة يجب ان يتم في المؤتمرات العادية فقط. ويذكر التاريخ ان أحد أعضاء المركزية النقابية حينها وهو محمد الطرابلسي كان أول من وقف أمام المؤتمر وطالب بالتريّث والمراجعة قبل المصادقة على الفصل العاشر الخاص بتحديد المدة النيابية لأعضاء المركزية النقابية ولكن صوته ضاع وسط حماس واندفاع نواب المؤتمر وكاد ان يدفع الثمن غاليا حيث خسر أصوات الكثير من النواب. الآن الوضع تغيّر انتهى وغاب ذلك الحماس والاندفاع في مؤتمر جربة وفشلت قيادة الاتحاد في اقناع نواب مؤتمر المنستير بتنقيح الفصل العاشر وهو ما يعني ان الأمر يحتاج الآن الى جرأة في القرارات ويحتاج ايضا الى صراحة بين القيادة والقواعد للوصول الى حل وهو حل موكول الى المجلس الوطني القادم.. سيناريوهات أمام المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل إذن مهمة صعبة ولكنها لا تبدو مستحيلة ويتلخص «السيناريو» المطروح الآن حول ضرورة ان يدعو المجلس الوطني الى انعقاد مؤتمر استثنائي غير انتخابي مهمته النظر في هيكلة الاتحاد وتنقيح قانونه وبالتالي سيكون من حق نواب هذا المؤتمر (غير الانتخابي اي انه لن ينتخب قيادة جديدة) تنقيح ومراجعة الفصول القانونية بما في ذلك الفصل العاشر في إطار مشروع كبير للهيكلة. وحسب «السيناريو» نفسه فإن المجلس الوطني يتولى دعوة المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي في مهلة لا تتجاوز الستة أشهر ثم تتم بعد ذلك دعوة المؤتمر العادي الى الانعقاد وانتخاب قيادة جديدة حسب الهيكلة التي صادق عليها المؤتمر غير الانتخابي.. تقول المصادر انه دون هذا «السيناريو» سيكون من المستحيل مجرد التطرق الى الفصل العاشر الخاص بتحديد المدة النيابية لأعضاء المركزية النقابية. ومن الضروري التذكير هنا بأن الفصل العاشر يمنع الآن ثمانية من أعضاء القيادة النقابية من تجديد ترشحهم وهم الأمين العام عبد السلام جراد والأعضاء محمد سعد وعلي رمضان ورضا بوزريبة وعبيد البريكي ومنصف اليعقوبي ومحمد شندول ومحمد السحيمي . مع العلم أن العضو محمد الطرابلسي لم يكمل المدة النيابية وغادر المركزية النقابية. وسيكون باب الترشح مفتوحا فقط أمام أربعة أعضاء هم المولدي الجندوبي ومنصف الزاهي وبلقاسم العياري وحسين العباسي. وفاق لكن في كل الحالات فإن المتتبعين للشأن النقابي يقرون بحقيقة ثابتة يجب ان تسود وتطغى في المجلس الوطني وهي ضرورة الوصول الى الحل اعتمادا على وفاق يجنب المنظمة الشغيلة هزّات جديدة. وتضيف المصادر ان النقابيين في هياكلهم يجمعون على الوفاق على الأمين العام عبد السلام جراد وأن هذا الوفاق يتجلى بقوة بين أعضاء المركزية النقابية ومنهم من عمل مع جراد سنوات طويلة. ويحسب لعبد السلام جراد انه نجح في تجميع الهياكل من حوله كما يحسب له معرفته الدقيقة والكبيرة بكل تفاصيل العمل النقابي ومعرفته بكل النقابيين في مختلف الجهات والقطاعات إضافة الى تمرسه في قيادة المنظمة النقابية التي تتمتع الآن بهياكل قوية وواسعة الانتشار وينشط فيها آلاف المسؤولين النقابيين الذين صارت لهم خبرة كبيرة بملفات قطاعاتهم واكتسبوا مهارات هامة في التفاوض والتحرّك والنشاط والاستقطاب. فلا يخفى على أحد الآن أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد اكتسب تقاليد عريقة في التكوين اكسبت إطاراته قدرات عالية في كل المجالات. ديمقراطية وتؤكد المعطيات ان هناك التزاما من الأمين العام بطرح كل النقاط والملفات على المجلس الوطني وعلى المؤتمر بكل شفافية وديمقراطية وتحكيم القواعد حتى يتحمل الجميع مسؤوليته كاملة.. لكن إذا كان جراد محل وفاق بين الجميع الآن فإن ذلك لا يعني ان المركزية النقابية بكل أعضائها سيكونون خارج التجاذبات الانتخابية القوية والملحة وخارج حسابات الساحة النقابية بكل تعقيداتها وتفاصيلها التي قد تغيب على الكثيرين منهم.. أمام الاتحاد الآن مفترقات جديدة وأمامه تحديات داخلية تحتاج فعلا الى أن يراجع الجميع الحسابات.