هي ثاني محطة جهوية بعد زيتونة الأثير صفاقس.. وهي تكاد تكون الاذاعة التونسية الوحيدة تقريبا التي ظلّت محافظة على تميّزها وخصوصيتها.. ومازال جمهورها ملتفا حولها.. متناغما معها، دائم الإصغاء إليها.. وفيّا لمختلف برامجها ومنوعاتها.. وجميع فقراتها وتلويناتها وتنويعاتها، فهي عروس البحر، وهي قيثارة اللحن الجميل.. وشعاع من شمس الأصيل.. إذاعة المنستير لا تعرف شيئا اسمه المستحيل، بإبداع أبنائها تسير.. ففرشت لمستمعيها الأرض بالحرير.. حبا.. واخضرارا.. وأزهارا.. وأعدت لهم مقاما على ربوة الفرح يحيطها ظل ظليل. فكان جمهورها من ذهب متواصلا مع كل ما تنتجه عروس البحر ومشاركا مراسلة أو مهاتفة مما جعل الزملاء بالغرفة الهاتفية يعيشون حالة ضغط مستمر وهم في حيرة كبيرة نتيجة الكم الهائل من المكالمات التي تصل هذا البرنامج أو ذاك.. وفي الوقت نفسه تراهم أكثر سعادة عندما يصل صوت المستمع ليعبر عن رأيه أو يقدم مقترحه أو يبث شكواه وقد أثبتت التجربة أن هؤلاء يمثلون استثناء من خلال تعاملهم الحضاري والانساني مع المتلقي وهم يذكروننا بالزميل العزيز عم الحبيب اللمسي برشاقته الأخلاقية الفريدة.. نقول هذا ليس من باب المحاباة لبوبكر المكني ورفقاء دربه وإنما كلمة حق وجب أن تقال. ورغم استهداف قطاع واسع من مستمعيها بمختلف الإغراءات من قبل راديو «جوهرة FM» فقد كانت إذاعة المنستير صامدة معتمدة على خيرة اطاراتها وكفاءاتها وعلى ذلك التميّز الذي عرفت به منذ عهد بعيد بأنها إذاعة الجميع.. تلبي رغبات أوفيائها في الحين.. تأخذ بعين الاعتبار كل مشاركاتهم حتى وإن كانت بسيطة وهو ما يدل بلا شك على سعة بال زملائنا هناك ورحابة صدورهم.. بدءا يالمايسترو رابح الفجاري.. وصولا الى علياء رحيم وإيناس الغرياني ورفقة الزناتي وتوفيق الخذيري وحليمة فيالة وثريا علاق وآخرين.. ومن قبلهم كانت الراحلتان العزيزتان نجاة الغرياني وشادية جعيدان ثنائيا جميلا صنعتا زمن عروس البحر الجميل.. ثنائي دخل طيّ النسيان منذ الفراق الأليم المرّ.. غابتا عن الساحة وغابت معهما الذكرى.. هكذا حال مبدعينا وحال الزمن الذي سادت فيه الرداءة، الموت قدر الجميع لكن أن ننسى من أضاء لنا الدرب وأنار لنا العتمة فذلك يصبح نوعا من التجني.. فنجاة وشادية خالدتان في قلوبنا وستبقيان الى آخر نفس من عمرنا.. كلا فنجاة الغرياني كانت تمثل قدوة رائعة للواتي عاشرنها ولمن جئن بعدها من حيث رفعة الأخلاق والانسانية الكبيرة التي تتحلّى بها.. ويكفي لنا في ابنتها السيدة إيناس خير صورة لمنشطة متكاملة رممت ما تداعى من بنيان العمل الاذاعي في وقت من الأوقات شأنها شأن الراحلة هي الأخرى والشمعة التي احترقت ذات عام في ثلاثة أشهر الزميلة الكبيرة والأخت الفاضلة الكريمة شادية جعيدان.. فيا زمان تريث ولا تأخذ منا مبدعينا.. إذاعة الفرح... إذاعة الحنين أثناء تواجدنا بالعاصمة الفرنسية باريس جمعتنا الصدفة بأحد العاملين بإذاعة الشرق هناك الذي حدثنا بإسهاب كبير عن إذاعة المنستير وما تقدمه من برامج ومنوعات ثرية ودسمة مليئة بالطرافة والظرافة وهي الاذاعة التونسية التي أولت اهتماما خاصا بالجالية خارج حدود الوطن من خلال مساحة زمنية ترفيهية معتبرة.. وأكد لنا بأن عروس البحر هي عبارة عن أنشودة ينتشر عبر كلماتها وأبياتها الفرح ليعمّ كامل أرجاء البلاد التونسية إن لم نقل المغاربية.. وردّا على الترّهات والمغالطات التي كانت تطلقها بعض الألسن خاصة قبل تحول السابع من نوفمبر بأن إذاعة المنستير «حزبية.. وبورقيبية» الى حدّ النخاع.. فإن عروس البحر لم تكن في يوم ما سواء ماضيا أو حاضرا ذات توجّه «سلطوي» أو ما شابهه بل هي تونسية.. وطنية.. شعبية وكل الصفات التي تتميز بها هذه البلاد.. تواكب التحولات.. وتفتخر بالانجازات.. تقدم الاقتراحات وتسعى جاهدة الى الاصلاح هدفها الأساسي مثل أية وسيلة اعلامية تونسية ووطنية بدرجة أكبر خدمة تونس وشعبها.. والمتصفح لبرامج إذاعة التميّز.. إذاعة المنستير يلاحظ صورة مغايرة وجديدة ووجها لها أكثر إشراقا على مستوى نوعية هذه البرامج ومعديها.. وإن كان ضيق المساحة لا يسمح بتعداد كل ما يقدم أثيريا، فحريّ بنا أن نأتي على البعض منها.. فقسم الأخبار مثلا يؤكد كل من عاصر إذاعة المنستير بإدمانه الاستماع والمتابعة الوفية لبرامجها أنه مثل بفضل كفاءة صحفييه على غرار الحبيب دغيم وعلي الجلاصي وليليا بن الشيخ وبقية منتجي ومحرّري نشراته وبرامجه الاخبارية بمختلف الأشكال الصحفية من تحقيقات.. وريبورتاجات.. أخبار وتقارير مثل على الدوام طليعة الأقسام الاخبارية على الاطلاق في بقية الإذاعات فهذه حقيقة لا ينكرها عاقل بلا استنقاص من قيمة وحرفية زملائنا بتلك المحطات الأثيرية.. ولعل الميزة الأساسية هناك أن النشرات الاخبارية جميعها تقدم بأسلوب شبه برقي وشيق جدا بلا تكرار ذلك في المواعيد القادمة فالجديد دوما تجده في إذاعة المنستير.. على مستوى المنوعات صنعت عروس البحر من ورودها باقات يانعة تفوح بالشذى وتدعو الى الهوى.. وتنضح بالعطر.. ويصافح عبيرها الفواح أرواح المستمعين في شتى ربوع الوطن الذين اقتطعوا من أحلامهم تذاكر سفر نحو إذاعة المنستير للاستمتاع بأحلى اللحظات الخالدة مع رابح الفجاري صباحية كل أحد في رحلة جد وهزل.. ضحكات ومداعبات.. لطيفة جوهرها الصدق والمحبة الصافية التي غرس شجرتها «القيدوم» فكانت بحق فسحة رائعة جدا وتلقائية جدا ومعبّرة مع عدد من نجوم الكوميديا في تونس الكبار.. والصغار، حيث ساهم رابح في التعريف بهم ودعمهم وإعطائهم الحظوة في برامجه من ذلك رفيق العلوي ومحسن بولعراس وعبد القادر دخيل ونجيب موسى والمنذر الجريدي وآخرين تطول قائمتهم ولا تقصر.. كما أن مرايا النجوم الذي قدمته الزميلة ثريا علاّق يعتبر هو الآخر استثناء للغاية وقلما تجد برنامجا مثله في بقية المحطات الاذاعية الأخرى.. إذ يحظى بنسبة متابعة كبيرة وله قاعدة جماهيرية عريضة لقيمة الضيوف أولا.. الذين تختارهم ثريا وطريقة طرحها للأسئلة البعيدة عن الأسلوب الكلاسيكي والمجاملات الى جانب ذلك فإن ألوان الظهيرة الموعد اليومي القار تمثل واجهة ناصعة لإذاعة المنستير، فهي منوعة شاملة لأركان متعددة من الأخبار والمواعيد الثقافية الى الأغاني الحلوة والجميلة.. لنقف إثرها مع تلك المصافحة الراقية.. الأدبية الفائحة للأستاذ عبد العزيز شبيل.. ما أروع هذا الرجل وما أوسع ثقافته وعلمه ومعارفه.. أما برامج الخدمات فهي من خصوصيات هذه الإذاعة حوارية كانت أو غيرها.. دون التغافل طبعا عن المواعيد التنشيطية المباشرة التي تعتمدها الاذاعات التونسية يوميا خلال الفترة الصباحية.