جلست رانيا وحيدة في ركن شاغر من أركان المدرسة، بعيدا عن ضجة الأطفال وصراخهم تتأمل ركبتيها المنتفختين.. بين اللحظة والأخرى ترفع رأسها لتلمح نظرات الفرح في عيونهم ثم ما تلبث أن ترسل ا لنظر الى ركبتيها.. ليس من حقها أن تفرح أو تلعب.. لها أن تتألم فقط وأن تحسّ بحرارة دموعها على خديها. كانت بالكاد تمشي نحو أمها، شاحبة الوجه، هزيلة الجسم، بسيطة الثياب، قصيرة القامة والشعر، تعرج بساقيها كأنها تزحف في معطف رمادي زادته رطوبة الطقس اهتراء. بدت متقوقعة على نفسها، لا تقول إلا بضع كلمات أو همهمات في أذن أمها، هي رانيا السليتي (8 سنوات) طفلة مريضة عضويا بالتهاب حاد في مفاصل يديها وساقيها مما استوجب عناية طبية مستمرة وأدوية باهظة لم تستطع عائلتها توفيرها. «الشروق» رافقت الطفلة رانيا في رحلتها من المدرسة الى المنزل وهي تخطو تخالها ستسقط لاعوجاج ساقيها وصغر حجمها. تقطن رانيا رفقة والديها العاطلين عن العمل وشقيقيها رائد وبلال وهما أيضا تلميذان بالمرحلة الابتدائية في منزل مستأجر تنقصه كل ضروريات الحياة الكريمة، فلا تلفاز ولا أغطية متينة قد ترحم ثلاثة أطفال من برد الشتاء القارس زد على ذلك تآكل الجدران بسبب الرطوبة وقلّة ذات اليد في توفير مصاريف العلاج والتغذية السليمة. أزمة الأم ربح السليتي بدت متأثرة للغاية بحالة ابنتها، فما إن اقتربت منها حتى أخذتها في حضنها برقة ومسحت على شعرها المشعث بحنان أم نست نفسها وكرّست كل وقتها لرعاية صغيرتها المريضة تقول: «تعاني ابنتي منذ سنة 2006 بالتهاب في مستوى الركبتين واليدين تسبّب لها في انتفاخ وعجز عن المشي بشكل سوي واعوجاج في اليد يعيق تحريكها مما استوجب معالجتها بشكل مستمر ومراقبة دائمة لنموها (تبكي) لا نستطيع الانفاق على علاجها أو حتى على أكلها فهي تحتاج أسبوعيا الى حقنة يبلغ ثمنها مليونا و250 دينارا فمن أين لنا بهذا المبلغ حتى نعالج ابنتنا (تواصل الأم ربح بعد لحظة معانقة مع ابنتها التي ارتمت في حضنها) «أنا وزوجي عاطلان عن العمل وقد حاولنا جاهدين الاتصال بوزارة الصحة أو احدى السلط المختصة لإعانتنا لكن بلا جدوى، الحياة في نظري أصبحت قاتمة كئيبة أملي الوحيد هو أن تواصل ابنتي علاجها الذي توقفت عنه والذي تسبّب لها في ألم حاد تستفيق جراءه في ساعات متأخرة من الليل لتبدأ البكاء والتوجع حتى الصباح (وتسكت لتنزل بعض عبرات مختنقة ثم تواصل): «طفلتي تموت كل يوم بدون أن يلتفت الى حالها أحد يساعدنا في توفير ثمن الحقنة على الأقل». تميّز في الدراسة بلال (10 سنوات) شقيق رانيا بادرنا بالحديث عن تميّز أخته في الدراسة رغم قصورها عن الكتابة بشكل عادي بحكم إعاقة يدها فهي على حد تعبيره استثنائية فمعدلها السنة الفارطة قد تجاوز 15 من عشرين يقول: «أحزن جدا عندما ألحظها تبكي من نظرة الآخرين لإعاقتها أو من الألم الذي يعصر جسدها النحيل كل ما تتمناه أسرتنا البسيطة والفقيرة هو أن نرى (رانيا) كبقية الأطفال فرحة وفي صحة جيدة». معلمو مدرسة السيجومي تأثروا بحالة رانيا فاعتبروها حالة إنسانية خاصة من حيث التعامل مع نفسيتها المتأزّمة على أمل أن يتواصل في المجموعة التي تحيا فيها رانيا.