هو الدكتور محمد علي بن المختار المولود بحامة قابس من وطن الأعراض من الجنوب التونسي من أبوين فقيرين من بيت مجد وشرف عربي انتقل إلى تونس للاشتغال بعمل شريف وطلب الرزق لاحتياج عائلته إلى إعانته فلم يستنكف من الالتحاق بعمل بسيط وهو حمله (لقفّة) مثل أطفال فندق الغلّة حتى عثر عليه قنصل النمسا مع زوجته وطلبه أن يلتحق في خدمته فامتثل وعمل معه مدة وكان يستظرفه ويعطف عليه ويقدّر فيه النبوغ لما توفّر في شخص الزعيم الراحل من النباهة وخفة الروح والصدق والأمانة. فلم تمض عليه مدة حتى صار يحسن الفرنسية والألمانية وكان القنصل رجلا مستشرقا كثيرا ما يتردّد على الصحف وأهل العلم ويستصحبه معه فعرف من ذلك الوقت بميله إلى العلم وظهر اشتياقه إليه. وعندما انتقل القنصل أخذه معه إلى النمسا وأقام مدّة في فيان وهناك تعلّم سوق السيارات ثم رجع إلى تونس فاشتغل عند سليل المجد المرحوم الشيخ الهادي الشريف كسائق سيارته الخاصة وكان إذ ذاك أول من نبغ في هذه المهنة لأنها كانت قبل ذلك لا يتعاطاها إلا البعض من الإيطاليين وعندما جاءت الحرب الطرابلسية اشترت الدولة التركية سيارة نقل وأرادت أن تأخذ سائقا مسلما فلم تجد غيره فتوسّط أحد رجال الهلال الأحمر العثماني التونسي في جلب هذا الشاب واشتغل بين الحدود الطرابلسيةوالتونسية بنقل المؤونة والضباط والأشياء المرسلة من تونس حتى انتهت الحرب فالتحق بالأستانة، وبواسطة الأستاذ علي رضا المدرّس كان في معهد ابن خلدون والمهندس بجمعية الأوقاف دخل إلى المد رسة الحربية لمعرفته اللغة الألمانية والميكانيك ونبوغه فيهما، وبعد مدّة عرض عليه السفر إلى طرابلس وبنغازي ودرنة ليلتحق بخدمة القائد العام التركي أنور باشا فذهب واشتغل بكل صدق وإخلاص بين هذه الجهات وبين جعبوب مقرّ الزعيم العربي الشيخ السنوسي ثم عندما رجع أنور باشا خفية إلى الأستانة ومنها إلى روسيا كان سائق طائرته الخاصة... بعد أن ساق سيارته وهو وزير الحربية، وقد نال حظوة لدى الضباط والسلك العسكري التركي، وعندما انتهت الحرب الكبرى هاجر مع من هاجر من كبار الضباط ورجال الدولة من الاتحاديين بعد أن منحه مخدومه عطية مالية وألح عليه في إتمام تعليمه. علي الجندوبي (جريدة النهضة 16 جويلية 1946)