تنتج بلادنا خمس حاجياتنا من القمح اللين الموجه لإعداد الخبز ليستهلك التونسي خبزة واحدة محلية مقابل أربع «خبزات» موردة وعموما الإنتاج الوطني من القمح اللين لا يغطّي إلا 22٪ فقط من حاجياتنا. وبالتوازي يغطي الإنتاج الوطني 75٪ من حاجياتنا للقمح الصلب لإعداد المواد الغذائية ومنها «الكسكسي» و«المقرونة» التي يشتريها المواطن التونسي اليوم بأسعار مرتفعة تبعا لارتفاع الأسعار العالمية. وتقر الهياكل المعنية بالفلاحة أن تسارع نسق توريد الحبوب كان أحد عوامل عجز الميزان التجاري الغذائي في حدود 394 مليون دينار خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2010. ومع تراجع إنتاج الحبوب للموسم الماضي في حدود 57٪ ينتظر أن تتزايد وتيرة التوريد هذه السنة ليتفاقم عجز الميزان التجاري أكثر. ولأنّ الحبوب ركيزة أساسية من ركائز الأمن الغذائي ومقوم من مقومات السيادة الوطنية فإنّ المطلوب فتح ملف إنتاج الحبوب ببلادنا بالجدية المطلوبة من جميع الأطراف بدون استثناء للوقوف عند الحلول الناجعة التي تقينا شر التوريد مستقبلا... أو لم تكن تونس مطمورة روما في إنتاج الحبوب؟. «الشروق» سألت جميع الأطراف عما يدور في كواليسهم حول هذا الموضوع وجمعت بعض المعطيات حول الوضع الحالي في التحقيق التالي : أفاد السيد حاتم الحمزاوي كاتب عام الجامعة الوطنية للزراعات الكبرى صلب الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنّ قلة إنتاج الحبوب راجعة أولا إلى الإشكاليات الموجودة في القطاع وهي عديدة ومنها ما هو مرتبط بالمنتجين كعامل بشري لتستحوذ على نسبة 25٪ وتوجد أسباب خارجة عن نطاق البشر ولها علاقة بالمناخ في حدود 75٪. وبخصوص العوامل البشرية رأى أنها عديدة حيث أن قرابة 80٪ من الفلاحين يملكون مستغلات صغيرة تناهز 20 هك التي تحول دون تطوير الفلاح لمنتوجه إذا ما اعتبرنا عامل غلاء المعيشة والتكاليف. وأرجع صغر المستغلات إلى التشتت في الملكية بعد الإرث وقوانين تصفية الملكية أصبحت عائقا أمام الإستثمار. وأوضح أن الفلاح في هذه الحالة لا يعتني بالأرض بصفة جيدة ولا يطبق الحزمة الفنية فيؤثر سلبا على الإنتاجية لتكون قليلة. وأشار إلى أنه في قطاع الزراعات الكبرى كلما كانت المساحة صغيرة كلما كان هامش الربح غير قادر على تغطية نفقات عيشه. وقال : «منذ سنة 2007 ارتفعت أسعار الحبوب في تونس لأنها مفروضة علينا من دول الخارج وسنة 2005 تم ترويج فكرة توريد الحبوب بالأسعار الموجودة أفضل من الإنتاج والحمد & أن رئيسنا بن علي قال : «لا». وفسّر بأنه تم الإصطدام بعدم وفرة الحبوب على مستوى عالمي رغم أن ثمنه موجود لدينا وهو ما دفع بالهياكل المعنية إلى اعتبار قطاع الحبوب قطاعا إستراتيجيا، وقررت الهياكل المعنية الترفيع في إنتاج الحبوب لا سيما منها المروية غير أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تصل إلى الأهداف المرجوة بسبب إرتفاع التمويل لشراء آلات الري مقابل تداين أغلب الفلاحين وصعوبة حصولهم من جديد على تمويل من البنوك إضافة إلى عدم توفر الأمن والسرقة للمستغلات الفلاحية. وأضاف في مجال حديثه عن العوامل عاملا آخر وهو ضعف التربة التونسية من المواد العضوية حيث تراجعت خصوبتها من 3 غ إلى 0،5 غ. وقال إن الحل يتمثل في العمل بالتداول الزراعي والدخول في مرحلة إنتاج البقوليات غير أن هذا الأخير يعاني من غياب هيكل ينظمه ورأى أننا نواجه إشكالية أخرى تتعلق بالإرشاد الفلاحي الذي يكاد يكون منعدما. أصناف وحول علاقة أصناف البذور المعتمدة بضعف الإنتاج ببلادنا قال كاتب عام جامعة الزراعات الكبرى : «الأصناف التونسية الموجودة حاليا : كريم ورزاق وخيار وأم ربيع تمكنت بتطبيق الحزمة الفنية اللازمة من تطوير منتوجيتها. وأضاف نحن كاتحاد فلاحين لسنا ضدّ الأصناف الجديدة المورّدة ومع أي صنف يمكن أن يحسّن المردودية سواء كان تونسيا أو موردا ولكن في رأينا أن يكون الإنفتاح حذرا لأننا نخشى من دخول الخواص الذين يختزنون غايات تجارية وليست وطنية بحتة. وأكد أن الشغل الشاغل حاليا هو إيجاد أصناف تقاوم الجفاف. وعرّج على طريقة حرث الأرض كعامل من العوامل التي تساهم في التخفيض من حدة الجفاف. وأوضح أن الفلاح يعاني من الجفاف منذ 1990 و50٪ من إنتاجه صار تحت رحمة هذا العامل المناخي الخطير وإذا لم يتوفر صندوق ضمان الإجاحات فإنّ الفلاح سوف يتخلى عن القطاع فتتفاقم المشاكل أكثر. ولم يخف أن الأسعار المتداولة ساهمت في تحسين دخل «الفلاح» ودفعته إلى الإنتاج وهو ما سيساهم على المدى البعيد في التخفيض من خصوبة الأرض. وختم بأنه إذا لم نعر هذه العوامل أهمية ونفتح ملفا لكل إشكال على حدة بكل تضحية من المجموعة الوطنية وتشجيع كما هو الوضع الحالي فإن مشاكل الزراعات الكبرى سوف تتفاقم. أرقام السيد خالد الأشطر مدير الزراعات الكبرى بالإدارة العامة للإنتاج النباتي قال ل«الشروق» إن عملية البذر إنطلقت مع بداية شهر نوفمبر من خلال مادة الشعير ثم القمح اللين إلى القمح الصلب. وأضاف أنه تمت برمجة مليون و517 ألف هك حوالي 900 ألف منها بمناطق الشمال. وبخصوص الأسعار المتداولة قال : «كلفة البذور الممتازة تقدر ب97 دينارا للقنطار ونبيعها ب77 دينارا فقط أي بدعم في حدود 20 دينارا. وأضاف أنه نظرا للوضعية الصعبة التي عاشها الفلاحون خلال الموسم الماضي فقد تمت بفضل الإجراءات الرئاسية جدولة قروض الكبار وتوزيع مساعدات رئاسية على الصغار بقيمة 16 ألف قنطار من البذور الممتازة للقمح الصلب. و3 آلاف قنطار من التريتيكال و50 ألف قنطار من الشعير (بذور عادية) إضافة إلى توزيع كمية هامة من الأسمدة (12 ألف طن فسفاط، حوالي 83 ألف طن من الأمونيتر...). وقال : «تم ضبط برامج للإحاطة بالمزارعين تحت إشراف المعهد الوطني للزراعات الكبرى الذي يعمل على تطبيق الحزمة الفنية الخاصة بكل جهة». وفي ما يتعلق بأسباب توريد القمح اللين لإعداد الخبز بنسبة مهولة رغم ارتفاع سعره وارتباطنا بالتوريد الذي قد يدفعنا إلى استهلاك خبز بأقل جودة ممكنة أجاب السيد خالد الأشطر أنه في الماضي كان لدينا أصناف متلائمة مع المناخ «الشيلي 6 المحمودي» وهذا ما تم الحفاظ عليه حاليا في إطار التوجه البيولوجي وتطوير زراعتهم. وبخصوص القمح الصلب أفاد : «نواصل اعتماد الأصناف التونسية الموجودة (كريم، خيار، رزّاق ونصر) مع التشجيع على البحث الوطني لإيجاد أصناف جديدة تقاوم الجفاف وتوسيع المساحات للأصناف الإيطالية التي خضعت للتجربة في تونس وأشار إلى أنّ الوزارة تشجع على إنتاج القمح الصلب لأن القمح الصلب هو الأهم باعتبار إرتفاع سعره مقارنة باللين رغم أننا في كلتا الحالتين لم نحقق الإكتفاء الذاتي من الإنتاج. تمويل وكان السيد عبد السلام منصور وزير الفلاحة والموارد المائية تعرّض خلال ردّه على أسئلة نواب الشعب لميزانية 2011 إلى موسم الزراعات الكبرى قائلا : «حرصا على العناية بمشاغل الفلاحين وتأمين إنطلاق موسم الزراعات الكبرى في أفضل الظروف وتوفير الأسباب الملائمة لإنجاحه تم تنفيذ الإجراءات التي أذن بها سيادة رئيس الجمهورية يوم 14 أوت 2010 والمتمثلة في : مواصلة دعم أسعار البذور الممتازة ودعم بذور الشعير العادية بترويج 170 ألف قنطار بسعر مدعم وتكوين مخزون إحتياطي من بذور الشعير العادية في حدود 200 ألف قنطار ومواصلة العمل بالرية المجانية الأولى بالأراضي السقوية العمومية وتقديم مساعدات عينية لفائدة 30 ألف من صغار الفلاحين وجدولة ديون الفلاحين المتضررين من الجفاف عن طريق الصندوق الوطني للضمان والمنخرطين في هذا الصندوق لمدة 5 سنوات بدون فائض وذلك لفائدة ألفي فلاح مع تمكينهم من قروض جديدة والإبقاء على أسعار الحبوب عند الإنتاج والمنح الإستثنائية عند التجميع التي تم العمل بها خلال الموسم الماضي. أصناف أجنبية حققت الأصناف الإيطالية التي تم اعتمادها ببلادنا خلال السنوات الماضية نتائج ملفتة للإنتباه دفعت ببعض الفلاحين إلى التهافت على شرائها وبناء عليه قال السيد عبد المنعم الخليفي وكيل شركة «ستيما» سوف يتقرر خلال هذا الموسم الترفيع في المساحة من 100 هك إلى 2500 هك بهدف توفير بذور ممتازة في حدود 100 ألف قنطار خلال موسم حصاد 2011. وأوضح أن 100 ألف قنطار عند استغلالها في 70 ألف هك توفر إنتاج يناهز 3 ملايين قنطار من القمح الصلب. وإضافة إلى مساهمة هذه البذور حسب السيد الخليفي في تطوير الإنتاجية فإنّ لها جودة عالية في مستوى تحويلها إلى مواد غذائية لاسيما منها «المقرونة» حيث تتوفر على بروتينات مفيدة للصحة وتساهم في الوقاية من السرطان. وختم بأن الحكومة التونسية تدعو إلى تشريك الخواص في كل القطاعات وترحب بمبادراتهم الخاصة في كل المجالات لاسيما منها قطاع الزراعات الكبرى كقطاع استراتيجي هام ببلادنا. نزيهة بوسعيدي البحث العلمي: استنباط 20 صنفا جديدا من الحبوب الصلبة واللّينة والبقوليات في إطار برامج البحث العلمي لإيجاد أصناف جديدة انطلق المعهد الوطني للبحوث الزراعية في البحث بالتعاون مع المندوبية الجهوية للفلاحة بسليانة والعمل على بذر كميات ل 20 صنفا بهذه الولاية من القمح الصلب واللّين وبقول وأعلاف في نطاق الحبوب المروية. وحظيت هذه التجربة بزيارات ميدانية لأهل المهنة والهياكل الفلاحية المعنية. وعموما تظل إشكالية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب رهينة لعدة عوامل شرحناها في هذا التحقيق في انتظار أخذها بعين الاعتبار من هياكل التنفيذ.