هل ينتهي حلم الهجرة الى اوروبا؟ الايكونوميست اعلنت بشكل غير مباشر نعي هذا الحلم ولكن كما يحصل في كل حالات الموت فان ردة الفعل الاولى تكون عدم التصديق ، خاصة من طرف اهل الفقيد . واهل الفقيد هنا ليسوا الاوروبيين الذين تتحدث عنهم الصحيفة البريطانية ، وانما حالمو العالم الثالث وتحديدا الدول العربية الذين ينامون ويصحون على امل الحصول على تأشيرة الى الجنة الارضية هربا من جحيم بلادهم المتخلفة. الايكونوميست تقول إن معدلات البطالة ارتفعت خلال ثلاث سنوات في اوروبا من 4% الى 18% ، ولكنها تصل في بعض الدول مثل اسبانيا الى 42 %. صحيح انها الازمة الاقتصادية العالمية التي لا تفيد احدا، ولكن الارتماء على رصيف البطالة في بلاد الهجرة هو امر اخر غيره تماما من اية ماساة وانت في بلادك. واذا كان قد قيض لي ان اعايش خلال السنوات الست الاخيرة، ظروف المهاجرين العرب في فرنسا وتقريبا في اوروبا كلها، فانني استطيع ان اقول ان اية لقمة في بلاد الهجرة هذه هي لقاء واحد من اثنين: اما الكرامة واما الاستنزاف حتى النخاع. واحيانا الاثنتين معا الاستنزاف، لانني ابدا بالذين يعيشون حياة كريمة، اي لقاء عملهم، فهؤلاء يعملون كما من الوقت لا يقبلون باي شكل به في بلادهم. واحيانا انواعا من العمل لا يمكن ان يقبلوها في بلادهم: دكتور في العلوم السياسية يعمل سائق تاكسي، ودكتورة في الفيزياء تعمل في مطعم، طالبة علوم اجتماعية، مرحلة الماجيستير تعمل في تنظيف المنازل، وصاحبة شهادة في المعلوماتية تعمل في الاستقبال في فندق، واغلب الطلاب يسعون الى الحصول على عمل حارس ليلي في فندق، وزوجة صاحب شركة تفتح بيتها في النهار حضانة لبضع اطفال، وحاملة دكتوراه في الآداب تعمل مراقبة قاعة طعام في مدرسة فندقية لا القول ذلك اطلاقا من باب احتقار لاية مهنة، بل من باب النفاق الاجتماعي الذي يجعلك تنظر بعدم احترام الى مهنة في بلادك ثم تمارسها في الخارج. ولو تخلصنا من هذه النفسيات المريضة لما حار طالب او شخص في كسب عيشه.. اما الكرامة فانني انما اعني بها اولا «المعونات» هذه الكلمة التي يسيل لها لعاب تسع وتسعين من المهاجرين، ولكم سمعتهم في بلادنا يتحدثون عنها وهم يغبطون بعمق من توفرت له: فلان اعطته الحكومة بيتا، فلان يقبض كذا مبلغا شهريا مساعدات لاطفاله، فلان يعوض عليه نسبة كذا من ايجاره. فلانة جاءت في الصيف وهي متأنقة بكذا وكذا من ملابس وهدايا. وليس من يعرف كم حرمت نفسها قبل أن تجيء لتتمكن من الفوز بفرصة التعالي هذه. لا احد يعلم ان أفضل ما تفوز به عائلة للسكن هو غرفتين من 45 متر مربع. إما الإفراد فلهم كالقطط 20 آو 25 مترا. الا أولئك الذين يبتعدون إلى الضواحي البعيدة ويقضون نهارهم في المتروات والقطارات. بالمقابل شهدت هنا وعن قرب، سلوكيات المهانة التي يجب ان يتبعها من يريد الحصول على اي شيء من هذا: ان يثبت انه محتاج، وانه فقير، وان لا دخل لديه ، وبالتالي عليه ان يقف على الابواب وان ينتظر ساعات في الطوابير، وان يتحمل معاملة فظة من موظفة دائرة لا يشتريها في بلاده بفلس. واذا اسعفه الحظ بالتعرف الى نائب او محافظ او عضو بلدية يساعده على ذلك، فعندها تكون امه قد صلت له ليلة القدر. الآن تنذر الأزمة الاقتصادية بوقف المساعدات، وينذر سوق العمل بوقف الفرص، فهل ستحلو البلاد لمن كرهها؟