بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي منذ أن نذرت نفسي للكتابة واتخذتها (هوية) بعد أن بدأتها (هواية) وأنا أقوم بمساءلة النفس آخر كل عام عن الذي فعلته؟ وهذا ما قمت به هذا العام، ووجدت كثيرا من الرضا عن الذي جرى، فبالنسبة الى العراق الجرح النازف في جسد كل الشرفاء من العراقيين واخوتهم العرب عملت على تقديم ما يجري بقراءة تعتمد المعلومة الصحيحة التي تتوفر لي أو التي أستنتجها، وكانت زاويتي «وقفة متأنية» في «الشروق» الغراء المرفأ لكل هذه الكتابات، وما أكتبه بين فترة وأخرى عن جراحاتنا العربية المتكاثرة وأكثرها إيلاما للجسد العربي فلسطين الحبيبة، مع وقفات عند جراحات لا يمكن المرور بها، جراحات السودان واليمن فهكذا نحن، وهكذا تربّى جيلنا على إحساس عال بالمسؤولية تجاه كل ما يجري، ولعلي من هنا كنت بين كتّاب القصّة والرواية العرب الذين جعلوا من الجغرافيا العربية مدى لكتاباتهم فحضرت مع العراق تونس ولبنان والمغرب ومصر وبلدان أخرى. وفي هذه الزاوية «محطة» راجعت شؤونا وشجونا تتعلق بالأدب العربي وخاصة التونسي حيث أتواجد وأعايش والعراقي همّي وهاجسي. لكن كل هذا لا يكفي وحده، فهناك القراءات رغم أن العينين لم تعودا كما كانتا بل أن زحف الزمن وإرهاقي لهما أضعفاهما، حتى النظارة لم تعد تسعفني دائما. وهكذا الدنيا.. سعدت جدا بروايتي «نحيب الرافدين» التي تبنّى نشرها الصديق منصف الشابي صاحب دار نقوش عربية، وهي رواية كبيرة الحجم، ربما كانت أطول رواية عربية نشرت في السنوات الأخيرة، وهي بالتأكيد أطول رواية عراقية منشورة. وليست العبرة في الطول، ولكنه الطول الذي لا بدّ منه أمام هذا الفيض من الأحداث والبشر. إن الحرب العراقية الايرانية التي دامت ثماني سنوات كانت عنوانا لعشرات القصص القصيرة والروايات التي تبنّت نشرها وزارة الثقافة في بغداد في سنوات الحرب، ولكنها كتابات كان ينشد منها أن تكون تعبويّة، تبيّن قوة وجسارة المقاتل العراقي وأفعاله في الجبهة، وقتها كانت الحرب تسمى «قادسية» منسوبة الى رئيس الدولة. ولكن كانت هناك انعكاسات فرعية لهذه الحرب على الناس، وكانت هذه الانعكاسات موضوعي، اعتمادا على تسجيل كل ما يجري من أحداث في الذاكرة، وليس على الورق، حتى أخال نفسي أحيانا «ذاكرة تمشي» وقد بكّرت في تسمية مجموعة قصصية لي صدرت عام 1976 ب«ذاكرة المدينة» وها هي ذاكرة العراق لا مدينة واحدة منذ فقط تتفتّق عن مئات التفاصيل. لقد كتبت عن أصدقاء عايشتهم وأحببتهم، قمنا بصياغة ما جرى في حواراتنا وترقّبنا وخوفنا بل وشجاعتنا. لكن عندما اكتملت الرواية وأنا في تونس كان أولئك الأصحاب الجميلون قد تسلّلوا واحدا بعد الآخر الى عالم الموت. وإنني أتساءل إذا ما قيّض لي أن أزور العراق ذات يوم، فكيف ستكون بغداد بدون أولئك الأصدقاء؟ ولمن ألوذ؟ ولمن أشكو؟ كنا جيلا متجانسا في العمر والطموح والايمان بالكتابة وبالعراق. مات خالد حبيب الراوي وغازي العبادي وأحمد فياض المفرجي وعزيز عبد الصاحب وعزيز السيد جاسم ولطفي الخياط ثم ابراهيم البصري! كلهم ماتوا في سنوات الحصار وتقلبات الواقع العراقي فلم يبق لي إلا أن أهديهم الرواية فبدون نسيجهم الانساني الرائع ما قدرت على كتابتها. في مطلع عام 2011 أيضا ستصدر «نقوش عربية» روايتي الجديدة العراقية التونسية «هناك في فجّ الريح» تجربة مختلفة أخرى، أنجزتها هنا في تونس بشخصيات فلسطينيةوتونسية وعراقية. هل أقول ان شيئا من الرضا أحس به الآن؟ نعم، هو هذا رغم أن الرضا عن النفس مطبّ لكنني منتبه له ولن أخشاه. شكرا لكم لأنكم قرأتموني وأصغتم لي شكرا للعزيز آدم فتحي الشاعر الأنيق الذي كان أول المحتفين كتابة ب«نحيب الرافدين»