* بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي يتواجد في تونس هذه الأيام المخرج العراقي قاسم حول المقيم في هولندا منذ أكثر من ثلاثة عقود. وما وجوده هنا إلا لانجاز المراحل الفنية من أفلام قصيرة وفيلم روائي في أحد ستوديوات تونس. وقاسم حول أحد أبناء جيل الستينات في المسرح والأدب والتشكيل والسينما، وكان معظم أبناء هذا الجيل يمارسون عدة أجناس أدبية وفنية في الآن نفسه. وقاسم حول إضافة إلى كونه مخرجا سينمائيا هو في الوقت ذاته كاتب قصة قصيرة يكتبها بمزاج وربما كان ما يكتبه معالجات أولى قد تتحول إلى سيناريوات أفلام هذا إذا ما علمنا أنه غالبا ما ينطلق في أفلامه من فكرة قصصية هو من أنجزها. من أفلامه الأولى التي أنجزها في العراق فيلم على غاية من الأهمية هو «الأهوار» وهو الفيلم الوحيد المتكامل عن هذه المساحات المائية الهائلة جنوب العراق والتي سينال منها الجفاف ويقضي على معظم معالم الحياة فيها باعتبارها محمية طبيعية للطيور والأسماك ولسكانها طقوسهم التي تنسجم مع طبيعة حياتهم. كما أخرج فيلما روائيا بعنوان «بيوت في ذلك الزقاق» ومثّل في فيلم آخر هو «الحارس». وعندما غادر العراق إلى بيروت وكان له دوره في تأسيس مؤسسة السينما الفلسطينية أخرج عددا من الأفلام ومنها «نهر البارد» اضافة إلى تحويله لرواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» إلى فيلم روائي وله عدد آخر من الأفلام التي أنجزها في سوريا وليبيا وبلدان أخرى. وبمناسبة وجوده في تونس قامت دار «نقوش عربية» باصدار كتابين له الأول بعنوان «بستان السينما» وهو كتاب فني عن السينما، أما الكتاب الثاني فعنوانه «منامات» وهو مجموعة من القصص القصيرة التي قد يعود البعض منها إلى ربع قرن مضى بينما البعض الآخر كتبه في الآونة الأخيرة. وقد قسّم الكاتب قصص كتابه إلى ثلاثة منامات: أولى وثانية وثالثة وأدرج في كل منام مجموعة من القصص، وما تقسيمه هذا إلا لأن المنامات الأولى هي ذكريات الطفولة وأحلامها، حيث نشأ الكاتب نفسه في بيئة الجنوب البسيطة والفقيرة (هو من الناصرية لكنه عاش المراحل الأولى من حياته في البصرة قبل أن يتحول إلى بغداد شأنه شأن كل المبدعين سواء كانوا من الشمال أو الوسط أو الجنوب الذين يجعلون العاصمة هدفهم الأول قبل أن تصطدم أحلامهم بالمعوقات السياسية غالبا لذا يختارون المغادرة). أما المنامات الثانية وهي الأطول فتضم مجموعة من أنضج قصصه تليها المنامات الثالثة وفيها خمس قصص فقط تختلف عن القصص الأخرى بكونها قصصا فانتاستيكية بامتياز. وأعتقد أن منجز قاسم حول السينمائي هو الذي حجب الضوء عن قصصه ولم تقرأ بالشكل الذي يجب أن تقرأ فيه وبكونها قصصا تعزز رصيد القصة الواقعية الانتقادية الذي كتب فيه قصاصون عراقيون آخرون سواء ممن سبقوه أمثال غائب طعمة فرمان وعبد الملك نوري وغانم الدباغ وعبد اللّه نيازي وغيرهم أو من مجايليه أمثال خضير عبد الأمير وغازي العبادي ومحمد خضير وغيرهم. قصص قاسم حول في مناماته هذه امتلك كاتبها القدرة على التنوع في موضوعاتها بحيث لا تذكرنا أحداث كل قصة بقصة أخرى فكأن الكاتب ونتيجة لتحركاته وتنقلاته قد توفرت له مادة حكائية ثرية، وقد سردها علينا بكثير من الانضباط الفني وقليل من العفوية التي لا بدّ منها في هذا النوع من الكتابة التي لا غنى لها عن غذاء المخيال. وقاسم حول رغم مكوثه طويلا خارج وطنه إلا أن ذاكرته ظلت عراقية، وجل قصص مجموعته هذه ذات مناخات عراقية حتى تلك التي تدور خارج العراق فإن أبطالها عراقيون شرّدتهم ظروف بلدهم ولم يكن المنفى ملاذا آمنا لهم مثل قصة «حطام امرأة» على سبيل المثال. ومن أجمل قصص المجموعة قصة «الملك والعريف» وهي قصة عن مقتل الأسرة المالكة صبيحة 14 جويلية 1958 وقد ركّز الكاتب على تقديم سيكولوجية شخصية العريف الذي نفذ عملية القتل. ونتوقف كذلك عند قصة «موت رئيس وزراء» وهي قصة تناولت حكاية رئيس الوزراء طاهر يحيى بعد الاطاحة بحكم عبد الرحمان عارف عام 1968 وفصول ما جرى له عند اعتقاله وهي حكاية جرى تداولها ثم نساها الناس لتراكم الأحداث الفاجعة التي مرت بالعراق ولكن قاسم حول كتبها فوثّقها. ومن القصص الطريفة قصة «حذاء الثلج القديم» التي تبدو بروحيتها الفكهة وكأنها إعادة كتابة معاصرة لحكاية أبي القاسم الطنبوري وحذائه. ومن مناخات المخيمات الفلسطينية في لبنان واحدة من أجمل قصص المجموعة هي «أبو داود» وبطلها رجل فلسطيني هذا هو اسمه والمفارقات الطريفة في شخصيته. هذه مجموعة قرأتها بالتذاذ وقد بدا لي وكأن الكاتب كان يوجه كاميراه ليصور فتكون حكايته مزدوجة بالكلمة والصورة. وربما أستطيع القول إن صديقنا قاسم حول قد ظلمته هويته كسينمائي لأنها ألقت كثيرا من الظل على ابداعه القصصي رغم أن هذا الابداع يستأهل الضوء الساطع. * صدرت المجموعة عن منشورات «نقوش عربية» تونس 2010