التشخيص الذي قدمه أمين عام هيئة علماء المسلمين بالعراق الشيخ حارث الضاري للوضع في بلاده مع حلول العام الميلادي الجديد يكشف مرارة لدى الهيئة ومختلف القوى المقاومة من تعاطي الأمة العربية مع بلد كان الى وقت قريب حارسها وحاميها من أطماع الاعداء وقائدها نحو مشروع النهضة الشاملة. واليوم وبعد مرور نحو ثماني سنوات على الغزو الأمريكي للعراق ها هو البلد يعيش حالة من الضياع والدمار لم تفلح حكومة نوري المالكي ولا سلطات الاحتلال في اخفائها رغم المساعي الواضحة الى تجميل الصورة والادعاءات الباطلة بأن العراق صار ينعم بهامش كبير من الأمن وتخلص من موجة التفجيرات الدامية التي لا تفرق بين سني وشيعي وبين عربي وكردي... وبأن البلد صار يملك «حكومة وحدة وطنية» هي ثمرة تفاهمات بين مختلف القوى السياسية المكونة للمشهد السياسي فيه، وأن تأخر تشكيل الحكومة انما ينم عن بعد ديمقراطي يحترم آراء الجميع ومواقفهم. هذه الصورة التي روج لها الاحتلال وكل من له مصلحة في السلطة العراقية القابعة تحت مظلته لا توجد الا في مخيلة هؤلاء الطامعين في ثروات العراق الذين لا تهمهم وحدته ولا سلامته ولا أمنه. لكن الوجه الآخر للمشهد العراقي اليوم هو ما تحدث عنه الشيخ الضاري حين أكد أن 90% من العراقيين يرفضون الاحتلال السافر والتدخلات الخارجية كما أنهم يرفضون الطائفية السياسية المقيتة التي يقف وراءها الاحتلال وعملاؤه الذين حكموا العراق تحت غطائها وحين عاتب العرب والمسلمين الذين لم يؤدوا ما عليهم ازاء العراق ولو أنهم قدموا شيئا لاحرار العراق وشرفائه ومقاوميه لكان الوضع في البلد قد تغير بشكل جذري ربما منذ عام 2006 حين قال أحد جنرالات أمريكا «كنا في عام 2006 على وشك الهزيمة أو الانسحاب لولا كذا وكذا». والحقيقة التي صارت واضحة اليوم أن انقاذ العراق لا يكون بدعم هذه الحكومة والهرولة نحوها واغداق صفات الوطنية والتمثيلية عليها، بل بدعم مشروع المقاومة والعمل على فك الحصار الظالم الذي يفرضه الاحتلال وأعوانه على المقاومة سياسيا واعلاميا وماديا. المطلوب اليوم ليس أن ينجح العراق في احتضان القمة العربية المزمع عقدها في مارس المقبل في بغداد بأي ثمن بل ان ينجح العراق في التعافي من هذا الذي أصابه من خراب ودمار وأن ينجح العرب في اعادته الى حضن الأمة وادماجه في محيطه العربي الاسلامي الذي لا غنى للعراق عنه ولا غنى فيه عن العراق، ولعل الزيارة المرتقبة لأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الى بغداد السبت المقبل يجب ان تذهب في هذا الاتجاه ولا تكون أداة لاظهار التزام الجامعة بمواعيد وأماكن عقد قمتها الدورية بصرف النظر عن الظروف الموضوعية التي قد تكون حائلا دون ذلك وبقطع النظر عن مصلحة العراق ومصلحة العرب عموما والتي تقتضي انهاء هذه الحالة من الاغتراب التي يعيشها العراق داخل جسد الأمة التي ولد فيها ونما وصار بها برا لها وفيا حتى جاء الاحتلال فصار بعده شقيا.