أحيت جمعية صيانة المدينةبالكاف يوم السبت الماضي الذكرى الأولى لرحيل الفنان شفيق الحكيمي، بمساهمة مركز الفنون الدرامية والركحية وعدد غفير من أصدقاء الفنان الراحل من الموسيقيين والشعراء والناس العاديين. وفي مقبرة المدينة، آن لأصدقاء الفقيد من الفنانين ومحبي الموسيقى أن يتأكدوا من الحقيقة التي لا تكاد تصدق: لقد رحل شفيق الحكيمي في منتصف الأربعين من العمر، وهو يسكن تحت التراب منذ عام. وعلى وقع تفاصيل الذكريات التي جمعت الفنان الراحل بأصدقائه ومحبيه، وضعت جمعية صيانة وإنماء مدينة الكاف باقة ورد على ضريحه. رحل شفيق فجأة حين حصدت خطواته سيارة مجنونة في الليلة الفاصلة بين يومي الخميس والجمعة 17 ديسمبر 2009، عاش الراحل أياما صعبة كثيرة، عرف الأحزان بسبب فشل حياته الزوجية، غرق في الاكتئاب طويلا وفقد الرغبة في الحياة أصلا، لكنه لم يتوقف عن التلحين حتى وهو يقيم في مستشفى مدينة الكاف حين كان الممرضون يستمعون إليه خلسة وهو يعد ألحانه بصوته في انتظار أن يأتوا له بعوده. نشأ شفيق الحكيمي على التراث الموسيقي والجمالي لمدينة الكاف: فرق السلامية في بطحاء بن عيسى، الفنان الشيخ بلقاسم الحمروني وريث الموسيقى الوترية في الكاف، وصولا إلى فرقة أولاد بومخلوف التي خلدت اسمها في المدينة بما قدمته من موسيقى ملتزمة طيلة أكثر من عقدين. وكان الراحل الذي تتلمذ على يد الشيخ الحمروني قد نشط ضمن فرقة أولاد بومخلوف في سنوات التسعين قبل أن يكشف عن استيعاب عميق ونادر لموسيقى الشمال الغربي وتوظيف جميل لجمله الموسيقية في معزوفات نالت عدة جوائز على المستوى الوطني مثل «هيام» (2005) ومعزوفة «تسابيح» (2006). كما كانت له عدة مشاريع فنية مع كبار المغنين في تونس. وكانت فكرة إحياء ذكرى رحيل الفنان شفيق الحكيمي تعتمل في أذهان العشرات من أصدقائه في مدينتي الكاف والعاصمة، وظل موعدها رهين رغبة المئات من أصدقائه في الاتفاق على يوم موحد يمكن الجميع من الحضور، فكان ذلك يوم السبت الماضي بجهود استثنائية من الفنان إحسان العريبي الذي أحاط نفسه بعدد من أصدقاء الفنان الراحل وبدعم من جمعية صيانة المدينة التي تعتبر التراث الموسيقي في الجهة على قائمة أولوياتها وكذلك بالترحيب غير المحدود من مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف الذي عبر عن استعداده لاحتضان فقرات الذكرى وتوفير الوسائل التقنية. والحقيقة أن الحضور الجيد لأصدقائه قد أثلج الصدور وكشف عن التقدير الذي كان يحظى به الراحل. كما كانت إذاعة الكاف في الموعد ونقلت لمن تعذر عليه الحضور مختلف تفاصيل الحفل. حضر الفنان رضا الشمك الذي بدا عليه التأثر العميق، الفنان محمد العربي القلمامي الذي لم يتردد في الحضور وتقديم أغاني خاصة بالمناسبة رغم مرضه الشديد، رواد فرقة أولاد بومخلوف: الفنانون مصطفى العياري، صلاح شيدة، وعادل حمدي الذي قدم مداخلة حول «خصائص التّجربة الموسيقية لدى شفيق الحكيمي». كما قدم الدكتور الرويسي شهادات موثقة عن حياة الراحل وإبداعاته الموسيقية فيما فاجأنا بعض أصدقائه بتقديم شريط وثائقي عنه بالإضافة إلى معرض الصور عن أهم مراحل حياته. وحظي المئات من الحاضرين بمعزوفات موسيقية من تلحين الفنان الراحل قدمتها فرق تتكون من أصدقائه وتلاميذه بقيادة الأستاذ وليد العوّادي، ومجموعة سليم هميلة و«جناحات» بقيادة رؤوف الهداوي. كما شهدت الذكرى تقديم قصائد شعرية من إبداع الشاعرين المنجي الوسلاتي والمولدي العبيدي بما أثبت لنا أن مدينة الكاف لم تنس ابنها المبدع، الذي أخذه منا القدر فجأة فجر يوم 17 ديسمبر 2009.