يقدم المؤرخ جون داور في كتابه «ثقافات الحرب» ما يراه من تشابه في الأفعال والتصرفات قامت بها كل من اليابان في عهدها الإمبراطوري والولاياتالمتحدة ومن يوصوفون بالمتشددين الإسلاميين وذلك خلال السبعين عاما الماضية التي كانت مليئة بالفظاعات كالهجوم الياباني على «بيرل هاربر» في 7 ديسمبر 1941 وإلقاء القنبلتين الذريتين على كل من «هيروشيما» و«ناغازاكي», إلى هجمات 11 سبتمبر، إلى احتلال الولاياتالمتحدة للعراق. ويرى داور الذي يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد المرموقة، أن هناك تشابها بين الحرب العالمية الثانية و ما يسمى «الحرب على الإرهاب» وأن هذا التشابه يساعد في فهم مأزق الولاياتالمتحدة الحالي وكيف وقعت فيه. وتبدو هنا الأخطاء المبكرة التي وقعت فيها كل من اليابانوالولاياتالمتحدة حيث أساء كل منهما استخدام التشابه التاريخي للأحداث وأساء تفسيره، ونفى الحقائق التاريخية في الوقت نفسه وفشل في ربط الماضي بالحاضر. ويرى داور أن فهم التاريخ بطريقة مجردة ودون تحامل يمكن أن ينقذ البشر من الوقوع في الأخطاء نفسها ثانية. فهو ينتقد بشدة استخدام حكومة بوش (السابقة) للتاريخ لإعداد الشعب الأمريكي لقرار الحرب على العراق. وقام الكاتب بإزالة «البروباغندا» مقدما وجهة نظر لما حدث في سبتمبر 2001 ومعظم ما حدث في تاريخ الحروب العسكرية التي شنتها الولاياتالمتحدة. وكشف في كتابه نمو الامبراطوريات وانهيارها ويقدم مثالا على ذلك زعامة اليابان الامبراطورية التي شنت هجوما مفاجئا على بيرل هاربر اعتقادا منها أنها ستبرز على رأس البلدان موحدة الأراضي في تاريخ العالم. ويرى داور الحاصل على جائزة بوليتزر، أن عدم القدرة على توقع الهجوم رغم البوادر الظاهرة كما حدث في «بيرل هاربر» وفي 11 سبتمبر، يمثل فشلا ذريعا في عمل أجهزة المخابرات والقدرة على استباق الأمور، فقد هزّ هذان الهجومان أسس وهم الأمن وكون الولاياتالمتحدة بعيدة ومعزولة عن عالم مضطرب. وفي الوقت نفسه يرى المؤلف أن حكومتي كل من «فرانكلين روزفلت» و بوش الإبن» قد استغلتا الهجوم، حيث كانت كل منهما تواجه معارضة في الدخول في حرب خارج البلاد. وقد استطاع «روزفلت» توحيد البلاد في قضية الحرب، وبعد ستين عاما يأتي جورج بوش الإبن الذي وصل إلى الرئاسة بقرار من المحكمة العليا ويواجه معارضة لسياساته الداخلية والخارجية وقد استغل حادثة 11 سبتمبر لتوحيد البلاد وراء سياساته وحشد العالم من وراء الولاياتالمتحدة. ولكن سياسة بوش في الضربات الاستباقية ونزوع حكومته إلى اعتبار العالم أبيض وأسود فقط معنا وضدنا لم تنجح سوى في تنفير المجتمع الدولي من الولاياتالمتحدة. وقد أدّى الحد من الحريات المدنية والمآسي التي نتجت عن احتلال العراق إلى تدمير شعور الشعب الأمريكي بوحدته وقد أنهى بوش حكمه في استقطاب اجتماعي متزايد في البلاد. وأكد داور أن مبدأ الحرب الاستباقية يعود إلى إرشادات السياسة العسكرية التي وضعها بول وولفويتز في عام 1992، وبعد عدة سنوات أصبحت تلك الإرشادات مبدأ بوش الابن، وهي مواقف أيديولوجية استخدمت لتبرير الحرب الاستباقية حتى لو كان التهديد ليس وشيكا، والانسحاب من المعاهدات الدولية وسياسة نشر الديمقراطية في العالم من أجل محاربة ما يسمى الإرهاب والاستعداد لاستخدام الجيش لتحقيق أهداف السياسة الخارجية. وفي حالتي الحرب العالمية الثانية وفي احتلال العراق جرى قتل المدنيين واستخدام تعبيرات تحاول تلطيف أعمال القتل والتدمير، وكان الجنرال «كيرتيس لي ماي» مخطط الهجمات الجوية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية قد قال لروبرت مكنمارا، وزير دفاع كل من كنيدي وجونسون في حرب فيتنام: « لو خسرنا الحرب لتمت محاكمتنا كمجرمين». أما القول بأن احتلال العراق سينجح كما نجح احتلال اليابان فلا يدل في نظر المؤلف سوى على فهم وهمي للتاريخ وأثره على الحاضر. وفي النهاية، يقدم الكتاب نظرة على تطور تصرفات الدول في الحروب والطبيعة المتناقضة لتلك التصرفات وأن تحويل النظر إلى الجهة الأخرى لا يخدم الضحية ولا التاريخ ولا البشرية نفسها.