عندما تنجلي هذه الغمّة، وتشرق شمس الأمن والأمان ثانية على تونس.. سوف يتبيّن لنا كم دفعنا من ثمن غال جرّاء كل هذا الانفلات، وكم سندفع من ثمن أغلى، بسبب هذا التسيّب الأعمى، وهذا الانخرام الكبير. سوف نبكي كثيرا، وسوف نندم كثيرا، بل وسوف نندب كثيرا، عندما يتبيّن لنا أن فاتورة باهظة حملتها ظهورنا المقصومة، وأن دَيْنا تئنّ منه الجبال، جثم فوق «أكتاف كل الشعب التونسي» فردا فردا، وأسرة أسرة، فإن ثمن الخراب هو استحقاق في انتظارنا، وإن ثمن الدمار فخّ لمستقبلنا، وإن ثمن الهدم سيجعل من إعادة البناء بمعيار الذهب الخالص. لقد خرّبنا هذه المرة بيوتنا بأيدينا، ووأدنا أحلامنا بما كسبت أنفسنا، وذهبنا تلقائيا الى عملية انتحار جماعي، ديدننا الكفر، ووسيلتنا الفجور الحقيقي. وما اللّه بظلاّم للعبيد، المخرّبين ، والشامتين، والمستقيلين، والفاسدين، والمنظّرين. فالكل الآن في الهوى سوى، والكل غرس خنجرا في قلب تونس، والكلّ نفث بحقده، وكراهيته، ومجونه وفسقه، وغدره، والكلّ ادّعى بطولة مزيّفة، والكل أصبح فارسا في ساحة خالية، إلا من أطلال وبقايا أشلاء... والكلّ ادّعى عذرية، وتلحّف بحياء الصبايا، وتدثّر بخجل العرسان، في مأتم سُجّيت فيه تونس الشهيدة وهي محاطة بمعزين شامتين، من أوباش وسوقة ورعاع هم أشد من الأعراب كفرا ونفاقا، وأفجر وأفسق من أقوام صالح وهود وثمود. فيا ليت شعري أين كانت كل هذه الشجاعة الجبانة، وكل هذا الغدر الأصيل، وكل هذا الكفر المعتّق وكل هؤلاء الدونيكيشوتات الذين يقتاتون من دماء التونسيين ومن سبي بلادهم ومن خراب ممتلكاتهم العامة والخاصة. ومع ذلك وفوقه فإنني واثق أشد الوثوق، بأن هذه الأرض الغالية وهذا الوطن العزيز وهذه البلاد التي تغذى بالروح، سوف تجتاز هذه المحنة بعناية الله وحده، وسوف تتجاوز هذه الفتنة التي ستميز الخبيث من الطيب وتفرز الأحرار من الأنذال بلطف الله وإيماننا العميق به، ووثوقنا التام بأن الحياة امتحان وابتلاء، وأن الوجود حمال لأقداره يعلم غيبها إلا الخالق الجليل. فلننهض كلنا لحماية أمننا، ودعم استقرارنا متوكلين على الله، مراهنين على قدرته واثقين من أنه بعد كل عسر يسرا وبعد كل ليل نهارا، وبعد كل ظلام نور وأنوار.