أكد الوزير الاول في حكومة الوحدة الوطنية السيد محمد الغنوشي أن تونس دخلت في منعرج هام يقوم على قطيعة حقيقية وتامة مع الماضي فهناك شهداء سقطوا في ساحة التضحية من أجل الكرامة والحرية وهناك من ضاعت املاكهم وحقوقهم نتيجة عمليات التحيل والتجاوزات في النظام السابق لكن الاهم اليوم هو القول إن كل شخص أجرم في حق الشعب والبلاد يجب عليه أن يتحمل مسؤولياته وأن العدالة سوف تأخذ مجراها. وأعلن السيد محمد الغنوشي في حديث تم بثه مساء الجمعة على القنوات التلفزية التونسية تعهده بأن يتوقف عن كل نشاط سياسي بعد فترة ترؤسه للحكومة المؤقتة والتقاعد مؤكدا أن لتونس اليوم من الشباب ومن الكفاءات المقتدرة المؤهلة لحمل المشعل ومواصلة تحمل المسؤولية حتى تنهض بالبلاد وتحمي مكاسب الشعب بما يجعل في المحصلة من المحنة التي مر بها الشعب التونسي خلال هذه الفترة عامل قوة لتحقيق الافضل للوطن والمواطن. وأضاف في حديث أجراه معه الاعلاميان المستقلان رضا الكافي وسلوى الشرفي ان القطيعة مع العهد السابق تتجلى كذلك من خلال اقرار حرية الاعلام دون اية وصاية وقرار الدولة استرجاع كل الاملاك الموضوعة على ذمة حزب التجمع وكذلك كل الاموال والعقارات التي تم نهبها دون وجه حق وايقاف الاشخاص المورطين في عمليات الفساد والاستيلاء على الملك العمومي وإلحاق الضرر بالمواطنين وتقديمهم إلى العدالة وتجميد ممتلكاتهم وحساباتهم في الخارج. وبشأن ضمانات وتجليات القطيعة مع نظام بن علي أكد الوزير الاول ان هذه القطيعة تتجسم من خلال اقرار جملة من الاجراءات العملية اهمها فصل الدولة عن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي وتقديم استقالته من الحزب الحاكم الى جانب رئيس الدولة المؤقت السيد فؤاد المبزع وكافة اعضاء الحكومة. وعن سؤال حول الموقف من الحركة الاسلامية وعن امكانية الاعتراف بها وتشريكها في الحياة السياسية الوطنية سيما من خلال وجوه قريبة لها ناشطة صلب المجتمع المدني قال السيد محمد الغنوشي «ليس لنا الحق في استثناء أي تونسي اذا التزم بالقانون والتزم بخيارات حرية الرأي والتعبير ومن يتم استثناؤه فإن ذلك يكون من قبل العدالة». وأكد أن الدولة التونسية هي دولة عريقة ولها اختيارات جوهرية ولها مكاسب تاريخية تشمل خاصة التعليم والصحة وحقوق المرأة وحريتها وهي مكاسب لا يمكن التراجع عنها تماما مثل خيار التفتح والحداثة التي أضحت جزءا صميما من الشخصية الوطنية مبينا أن تلك الخصائص هي التي أتاحت للشعب التونسي انجاز ثورة كبرى ذات أبعاد حضارية هامة وبمساهمة الشباب الذي كان له الدور البارز في تحقيق هذا الانجاز. واجابة على سؤال حول تقديم تعويض للشهداء وعائلاتهم خلال الاحداث المؤلمة التي شهدتها البلاد في الشهر الماضي أكد الوزير الاول في كنف التأثر بأنه سيتم تعويضهم لما قدموه من تضحيات لا تقدر بثمن ولاسهاماتهم الجليلة في تغيير مسار الوطن ودفع البلاد نحو شاطئ النجاة. من ناحية أخرى أوضح السيد محمد الغنوشي أن الحكومة المؤقتة جسمت منذ تشكيلها وخلال اجتماعها الاول التزامها بالمطالب والتطلعات التي ضحى من أجلها التونسيون مشيرا الى أن لجنة الاصلاحات السياسية التي اختير لرئاستها واحد من خيرة أبناء تونس والتي ستضم في عضويتها ممثلي كل الاطراف والاطياف السياسية والمدنية أمامها مسؤولية ضخمة في اقتراح الاصلاحات السياسية والتشريعية الضرورية التي تتيح إلغاء القوانين اللاديمقراطية التي أقرها العهد السابق على غرار قانون الصحافة وقانون الاحزاب وقانون مكافحة الارهاب والمجلة الانتخابية. وقال ان المقترحات والاصلاحات التي ستقترحها تلك اللجنة ستوفر الارضية الصلبة التي تجعل من الانتخابات المقبلة أول انتخابات في تاريخ الشعب التونسي تجرى في كنف الحرية والنزاهة والشفافية الكاملة. وأكد السيد محمد الغنوشي أن مهمة الحكومة هي تصريف الشؤون العامة فالظرف الراهن يقتضي بالاساس اعادة وتيرة العمل الاقتصادي الى النسق العادي مؤكدا أنه من المهم اليوم طمأنة المستثمرين وتوفير موارد الرزق ومواطن الشغل لطالبيها وايجاد الوسائل والامكانيات لتعويض الخسائر التي لحقت بمصالح وممتلكات العديد من المواطنين. وقال إنه في ظل هذه الاوضاع لابد من أن تضم الحكومة في عضويتها أشخاصا من ذوي القدرة والكفاءة والتجربة ونظافة اليد من أجل أن تحرك الاوضاع في الاتجاه الصحيح وتعيد الحيوية للنشاط الاقتصادي في أسرع الاوقات الممكنة. وأضاف أن كل أعضاء الحكومة المؤقتة عاهدوا الله على خدمة المواطن والوطن واذا كانت هناك مؤاخذات على البعض فإن قوانين البلاد واللجنة المشكلة للنظر في مسائل الفساد والرشوة ستكون لها كلمتها. وقال إنه خلال فترة الاعداد لتشكيل الحكومة وبعدها عمل على التواصل والتحاور مع كل أطراف المشهد السياسي الوطني والشخصيات الوطنية وتناول معها بصراحة الرهانات والتحديات والاستحقاقات المطروحة على البلاد وأكد على أهمية الفرصة المتاحة لتونس والتونسيين لتحقيق المصالحة مع تاريخ بلدهم. وأشار السيد محمد الغنوشي الى ما طبع الاجتماع الاول لمجلس الوزراء أول أمس الخميس من حوار حر وصريح دام أكثر من أربعة ساعات وانبثقت عنه اجراءات هامة مؤكدا أنه ليس هناك مجال للمقارنة بين أجواء ومناخ ما جرى أول أمس وبين اجتماعات مجالس الوزراء في العهد السابق ذلك أن الجميع وبعد نقاش معمق وشفاف خرجوا مقتنعين بما تم التوصل اليه من قرارات واجراءات. وأكد أن الواجب والمسؤولية يحتمان العمل على أن تكون الانتخابات القادمة محطة ناجحة وفارقة في مسيرة تونس مبينا أن ذلك موكول للجنة الاصلاح السياسي التي ستعد الارضية السياسية والتشريعية الملائمة لانجاح هذا الاستحقاق الذي يتعين أن يدور في كنف الحرية والنزاهة والشفافية بما يعكس ولاول مرة الارادة الحقيقية للشعب التونسي. ولاحظ أن عمل الحكومة المؤقتة وكذلك اللجان الثلاث المعلن عن تأسيسها والمتصلة بالاصلاح السياسي وبتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة والتجاوزات المسجلة خلال الفترة الاخيرة هو عمل متكامل ومتناغم يهدف بالدرجة الاولى الى انقاذ تونس ووضعها في مسار تاريخي جديد. وفي ما يتعلق بانسحاب ممثلي المنظمة الشغيلة من عضوية الحكومة أفاد الوزير الاول أن الحوار كان معمقا مع المنظمة حول استعدادها للانضمام الى الحكومة غير أنه بعد الاعلان عن تركيبتها تراجع اتحاد الشغل عن المشاركة في هذه الحكومة مؤكدا أن المشكلة ليست في الاشخاص بل الاهم هو مدى نجاعة السياسات والاجراءات العملية لا سيما وأن الحكومة تعد وقتية. وقال إن ممثلي اتحاد الشغل لم يلتحقوا بعد بالحكومة لكن ربما يفعلون ذلك لاحقا وهو ما يفسر عدم التسرع في تعويض وزراء المنظمة الشغيلة المنسحبين من الحكومة. وبخصوص الوضع الامني الحالي أفاد السيد محمد الغنوشي أنه تم ايقاف العديد من افراد العصابات التي روعت المواطنين وأثارت الفوضى والشغب وقامت بعمليات سرقة ونهب واحالة أكثر من 380 شخصا منهم على التحقيق للتثبت من التهم الموجهة اليهم ومن امكانية وجود أطراف أخرى وراء هذه العمليات مضيفا أن الاوضاع الامنية في تحسن تدريجي. كما أشار بخصوص الأمن الرئاسي الى انه لا يجب اتهام كل أفراده بالتآمر على أمن الدولة ذلك أن قيام البعض منهم بتجاوزات لا ينفي أن معظمهم لم يتورط في ما جرى من احداث مؤسفة. وحول امكانية وجود دعم خارجي لعصابات الترويع والتخريب أجاب السيد محمد الغنوشي أن حكومته ليس لها معطيات ثابتة وان التحقيق لا يزال جاريا مؤكدا أن تونس تكن كل الاحترام لكافة البلدان الشقيقة والصديقة ومعربا عن اليقين بأن هذه البلدان تساند الشعب التونسي في ثورته غير المسبوقة. وأضاف أنه سيتم اطلاع البلدان الشقيقة والصديقة بحقيقة الاوضاع التي مرت بها البلاد وما شهدته من تحولات جذرية خلال الفترة الاخيرة معربا عن اليقين بأن الجميع سيكون في صف الشعب التونسي الذي أنجز ثورة حقيقية عمقت لدى كل التونسيين مشاعر الاعتزاز ببلدهم. على صعيد آخر بين السيد محمد الغنوشي ان الوزير الاول في عهد الرئيس السابق يضطلع بالاساس بمهمة التنسيق ولا علاقة له بوزارات السيادة ولا يتدخل في الصفقات العمومية والديوانة واملاك الدولة والقطاع البنكي والقروض بل يحرص بالخصوص على استقطاب الاستثمارات ودفع نسق التنمية والحفاظ على التوازنات المالية للبلاد وتحسين العلاقات الاقتصادية مع الخارج. وقال إنه كان يتألم مثل كل التونسيين من بعض الاوضاع التي عانت منها تونس خلال السنوات الماضية مما جعله يفكر عديد المرات في الاستقالة وآخرها سنة 2009 لا سيما وأن الرئيس السابق كان ينفرد بالقرار النهائي في جل المسائل. واضاف أن الاحساس بالواجب جعله يتراجع في كل مرة عن هذه الفكرة حفاظا على المكاسب الوطنية ومن أجل الحد أكثر ما يمكن من حجم الاضرار التي لحقت بالبلاد مبينا أن عديد الوزراء في الحكومة السابقة كانوا يجاهدون بدورهم من أجل الاضطلاع بواجبهم رغم الضغوطات التي يمارسها عليهم البعض في قطاعات هامة وحيوية. وأكد أن الوفاء لدماء الشهداء والانصات لمطالب الشعب وتطلعاته يقتضي اليوم العودة للعمل والبذل في كل المواقع موجها في هذا الصدد رسالة طمأنة لكل الشركاء الذين ساندوا الشعب التونسي ولأوساط المال والاعمال مفادها أن الفترة القادمة في تونس ستكون أفضل ومن يريد أن يستثمر ويبادر من التونسيين في الداخل وفي الخارج ومن المستثمرين الاجانب فإن الفرص متاحة للنجاح في تونس. وأبرز الوزير الاول في خاتمة هذا الحديث ان ثلاثية الثقة والشفافية أولا وتوفر الكفاءات البشرية ثانيا واستقطاب رأس المال ثالثا تمكن تونس وشعبها من أن ينجز المستحيل ويرفع ما هو مطروح من تحديات ورهانات كبرى ومنها تحديات البطالة وترسيخ الحرية والديمقراطية والمضي قدما في الرهان على العلم سلاحا وحيدا لبناء مستقبل أفضل.