قبل أيام قليلة كانت السماء صافية والطقس ربيعيا. اليوم لا زرقة في السماء الملبدة بالغيوم في هذا الطقس الموحش. انظر الى السماء ترى واقعك في تونس. نحن الآن على شفا الحفرة.. لم تبق غير أمتار قليلة عن الهاوية. كم وددت أن أحافظ على تفاؤلي، لكن لم يعد ما يبعث عليه وإليكم الدليل. عندما تحركت الجماهير وأجبرت الرئيس السابق على الفرار كانت المراهنة على بث الرعب والفوضى بالتوازي مع خلق فراغ سياسي يبيح رجوع الرئيس الهارب الى كرسيه وعودة المياه الى مجاريها. لذلك نصب السيد محمد الغنوشي نفسه رئيسا للبلاد على معنى الفصل 56 من الدستور. وفي الآن ذاته انطلقت العصابات المسعورة في قنص المواطنين وتخريب البلاد وبث الرعب. كانت تلك العقبة الأولى أمام الثورة التونسية السلمية وقد تجاوزناها بسلام بعد تكاتف الجهود. فمررنا بعد يوم من الفصل 56 الى الفصل 57 من الدستور وتكفلت لجان الحي (أو حماة الحومة) بحراسة أحيائها ومدنها وقراها فيما اجتهد الجيش الوطني في تعقب تلك العصابات. كل المحتجون يستعدون للاحتفال بانجازهم الفريد عندما ظهرت العقبة الثانية. فهناك في قصر الحكومة ظهرت حكومة انتقالية شبه ائتلافية لكن قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل لم تقبل بها بدعوى أنها تحتوي على شخصيات محسوبة على النظام السابق وعلى التجمع الدستوري الديموقراطي. شرعت الحكومة في تقديم التنازل بعد الآخر والتبرير بعد الآخر والتوضيح بعد الآخر، لكن قيادة الاتحاد التي والت النظام السابق طويلا ووقفت بالأمس وراء العديد من المآسي تحولت بين عشية وضحاها الى عنصر رافض فعطلت الحياة وزجت بالمواطنين في الشوارع ودعت الى رفع لافتة «وجوب اسقاط الحكومة». هل يأتي الفرج من شطر الملعب الآخر؟ لا شك أن بعضكم تطلع مثلي الى تغيير تكتيكي أو اضطراري من مدرب محنك (كما يقول المعلقون الرياضيون). لكن الوزراء المختلف حولهم ظلوا في وزاراتهم بدعوى المصلحة الوطنية كما بقي المحتجون في الشوارع بدعوى المصلحة الوطنية. فكانت النتيجة تعطل الدروس والمصالح والحياة الطبيعية، فأي مصلحة وطنية في ذلك؟ الأخطر من هذا كله صدور رسائل منذ فجر أمس تدعو المواطنين الى التجمع بكثافة في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة للمطالبة بعودة العمال والموظفين الى مقرات عملهم وعودة التلاميذ والطلبة الى مدارسهم ومعاهدهم وكلياتهم. لم أجد في هذه الدعوة نزرا من البراءة لأنها بكل بساطة تدعو فئة من المواطنين الى مقابلة فئة أخرى والتصادم معها حتى تعمّ الفوضى وندخل حربا أهلية. لهذا كله أجدني متشائما ولا أجد سبيلا الى التفاؤل إلا إذا حدثت معجزة في الوقت البديل.