الاهتمام موجه، هذه الأيام، إلى الحكومة بدرجة أولى وإلى ما يجري داخل منظمات المجتمع المدني بدرجة ثانية، لكن، لا أحد على علم بما يجري داخل المؤسسة الأمنية. ليس وحدهم المعتصمون والسياسيون... يخشون الالتفاف على ثورتهم، فحتى أعوان الأمن، أصبح جزء كبير منهم حراسا لهذه الثورة بل ويشاركون فيها يوميا، هم الآن وتحت ستار قمعي كبير يعانون الانقلاب على انتفاضتهم ضد البؤس، ويريدون لمؤسستهم أن تنتقل من مؤسسة قمعية بوليسية في خدمة الديكتاتورية، إلى مؤسسة أمنية في خدمة الشعب والديمقراطية وهو ما يمكن أن يساهم انتظامهم النقابي في بلورته. مظاهرات أعوان الأمن ودخولهم في اضرابات خلال الأسبوع الماضي، ضغط على الحكومة المؤقتة، فجعل وزير الداخلية المؤقت السابق أحمد فريعة يخضع لضغطهم الذي كان مسنودا من الرأي العام، لكن كيف استجاب وزير الداخلية فريعة لمطالب أعوان الأمن؟. أصدر الوزير السابق أحمد فريعة في آخر يوم له على رأس وزارة الداخلية أي بتاريخ 26 جانفي 2011 (ولهذا التاريخ ذكرى كبيرة في وزارة الداخلية ولدى الشعب التونسي) ملحوظة عمل، في شكل قرار يحمل الرقم 4 موضوعه «النظر في مراجعة التنظيم الهيكلي والقوانين الأساسية وبعث هيكل نقابي مستقل». ويفهم من هذا الكلام، أنه تقرّر تمكين أعوان الأمن من نقابة، ومستقلّة أيضا، وفعلا قرّر تعيين لجنة لتحقيق هذا الحلم، الذي ينتظره المضطهدون والفقراء والمهمشون من عامة أعوان الأمن. هذا أمر جيّد، لكن الغريب : من هم أعضاء هذه اللجنة؟. أسندت رئاسة هذه اللجنة إلى المتفقد العام لوزارة الداخلية، أما الأعضاء، فهم المتفقد الأعلى لقوات الأمن الداخلي والديوانة والمدير العام للمصالح المشتركة والمتفقد العام لمصالح الأمن الوطني والمدير العام للدراسات القانونية والنزاعات والمدير العام للشؤون الإدارية والمالية والمدير العام للتكوين ومتفقد الحرس الوطني ومتفقد الحماية المدنية ومدير الموظفين والتعبئة للأمن الوطني ومدير الموارد البشرية للحرس الوطني ومدير إدارة الأفراد والعمل الاجتماعي للحماية المدنية. نعم هؤلاء يكوّنون اللجنة الخاصة التي ستنظر في مراجعة التنظيم الهيكلي لوزارة الداخلية والقوانين الأساسية لقوات الأمن الداخلي وخاصة إعداد مشروع قانون في ظرف عشرة أيام لبعث نقابة مستقلة لأعوان قوات الأمن الداخلي... نعم نقابة مستقلة، لقد تم إقصاء بروليتاريا الشرطة لصالح المدراء. ما ينبّه إليه عموم أعوان الأمن، أن اللجنة لا تضمّ في صفوفها إلاّ كبار المسؤولين ومن جهة أخرى والأخطر أنه تمّ إقصاء ما يعرف بسلك الزي النظامي، أي أعوان الأمن بالزي النظامي، وهم المكلفون دائما بالوقوف في الواجهة في كل الأحداث ويعتبرون أعوان تنفيذ. لذلك فهم يطالبون وزير الداخلية الجديد السيد فرحات الراجحي بمراجعة قائمة اللجنة وأساسا وبشكل عاجل تشريك أصحاب الزي النظامي فيها، ويوسعون في قائمة مطالبهم بضرورة تعيين رؤساء المناطق الأمنية والأقاليم من أصحاب الزي النظامي، كما طالبوا في لائحة مكونة من 12 نقطة بتوحيد هيأتي الزي النظامي والزي المدني وتنقيح الفصلين 33 و52 من النظام الأساسي وإعادة النظر في مباشرة مهام الضابطة العدلية بالنسبة إلى أعوان الأمن الوطني وإحداث هيئة جديدة (الضباط القادة) وتنقيح الفصل 53 بتقليص مدة المباشرة الفعلية لرتبة عقيد إلى سنتين عوضا عن أربع سنوات وتوحيد مدة الترقية وإلغاء التربص للترقية إلى رتب الانتداب وعدم اعتماد مراحل التكوين في الشروط المفضية إلى الترقية وإحداث قانون للتقاعد المبكّر وإلغاء العقوبة الجسدية وإلغاء عقوبة الايقاف عن العمل ووقف الجراية، وإلغاء الفصل 54 من القانون عدد 70 لسنة 1982 وخاصة المسألة المتعلقة بعزل عون الأمن نهائيا بعد صدور حكم ضدّه استئنافيا في حين لا يعود إلى عمله في صورة براءته إلا بعد حكم تعقيبي. أعوان الأمن، هم حاليا يعيشون، حالة مخاض، مثلهم، مثل كل قطاعات الشعب التونسي، فالثورة ستأتي على كل التفاصيل وكل القطاعات.