اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    بطولة برلين للتنس (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور نصف النهائي    كأس العالم للأندية: الفيفا يسلط عقوبة الإيقاف على أبرز نجوم المسابقة    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    تحذير للسائقين.. مفاتيح سيارتك أخطر مما تعتقد: بؤرة خفية للجراثيم!    الخطوط الجوية الجزائرية تلغي جميع الرحلات للعاصمة الأردنية عمان    ما حقيقة مقتل مصطفى زماني بطل ''يوسف الصديق'' في قصف قرب كردستان؟    عاجل: تحديد جلسة مفاوضات للزيادة في أجور أعوان القطاع الخاص..    مسؤولون من وزارة الصناعة ومن ولاية قفصة يؤكدون ضرورة تسريع اجراءات مناظرات الانتداب لرفع مردودية المؤسسات    تعرّف على جدول مباريات كأس العالم للأندية اليوم.. مواجهات نارية بانتظارك    نائب بالبرلمان تطالب ب"تفعيل الإجراءات القانونية" لحل حزبي "النهضة" و"التحرير" ورئاسة الحكومة توضح    فضيحة مدويّة: شبكة تستهدف القُصّر عبر ''تيك توك'' تُفكَّك في قلب العاصمة!    عاجل -خطايا ب 20 مليون : وزارة التجارة تعلن ملاحقة المحتالين في التجارة الإلكترونية !    أزمة لقاحات السل في تونس: معهد باستور يكشف الأسباب ويُحذّر    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    تونس: مواطنونا في إيران بخير والسفارة تتابع الوضع عن قرب    عاجل/ إضراب ب3 أيام بشركة الملاحة    بالفيديو: أمطار غزيرة في منزل بورقيبة بولاية بنزرت صباح اليوم الخميس    هكذا علّق بوتين على "احتمال" اغتيال خامنئي.. #خبر_عاجل    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    كأس العالم للأندية: طاقم تحكيم نرويجي يدير مواجهة الترجي الرياضي ولوس أنجلوس    الترجي الجرجيسي يضم مدافع الملعب القابسي مختار بن زيد    قافلة "الصمود" تصل الى الأراضي التونسية    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    محرز الغنوشي: ''الحمد لله على الأجواء الفرشكة..كلو ولا الشهيلي''    قيس سعيد: يجب إعادة هيكلة عدد من المؤسّسات التي لا طائل من وجودها    عاجل: الإعلان الرسمي عن قائمة المترشحين لهيئة النادي الإفريقي    قيس سعيد: يجب توفير كلّ الوسائل اللاّزمة للمجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم لتقوم بدورها    طقس اليوم: انخفاض في درجات الحرارة وأمطار بهذه المناطق.. #خبر_عاجل    بلومبيرغ: واشنطن تستعد لاحتمال توجيه ضربة لإيران خلال أيام    كأس العالم للأندية 2025: الهلال السعودي يفرض التعادل على ريال مدريد الإسباني 1-1    رئيس الجمهورية يشدّد على ثوابت الدبلوماسية التونسية في استقلال قرار الدّولة وتنويع شراكاتها الاستراتيجية    هجوم صاروخي كبير على تل أبيب وبئر السبع    كأس العالم للأندية: العين الإماراتي يسقط أمام يوفنتوس بخماسية    الخارجية الإيرانية.. قادرون على مواجهة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    نابل...وفاة طفلة غرقا    الإعلاء    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    طقس الليلة.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار غزيرة بهذه المناطق    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    وزارة الصحة توجه نداء هام للمقبلين على الزواج..#خبر_عاجل    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الثورة التونسية.. وخصوصياتها
نشر في الشروق يوم 29 - 01 - 2011

إن محمد البوعزيزي ذلك الشاب المتعلم والمتقد حيوية لم يكن يقصد وضع حد لحياته البائسة لما أشعل النار في جسده بل كان في الحقيقة يعلن عن وجوده كإنسان يطمح الى حياة كريمة وحرة لأن سكوته الذي طال أمده أمام إدارة جهوية مرتشية وصماء غير منصتة له بل لا تعيره أي قيمة وتزيده إذلالا وتحقيرا جعلته يعلن عن وجوده وبداية التاريخ لبطولات جحافل من الشباب المتوقد نارا وحياة وملاحم للرفض والصمود وثورة جديدة ذات خصوصية تونسية لم يشهد التاريخ مثلها في عفويتها وسلميتها فبلهيب جسمه المشتعل الذي بات قوة مبهرة ومتحدية أكد شهيد تونس انسانيته التي استهدفت وشوهت من قبل قوة الاستعباد والغطرسة التي مثلتها السلطة والمؤسسات الجهوية ودكاكين الادارة المقيتة ولم يفته بأنه حتى الحيوانات التي تنطق أو تكتب «تهز ذيلها غضبا واحتجاجا».
ففي القاموس السياسي وأبجديات التمرد فإن محمد البوعزيزي لم ينتحر في الأصل بل أعلن وبقوة رهيبة ومحرقة وجوده ووجود آلاف من أمثاله وطوى في لحظة حاسمة النسيان الذي لفوه فيه الى حدّ العدم وبداية نهاية الطغاة الذين كبلوا طاقاته واغتصبوا مستقبله وشيؤوه، فكتبوا بذلك يوم مولده وانطلاق العد التنازلي لسقوط نظامهم المستبد الذي طغى وتجبر لسنين طويلة وأجهض كل الطاقات الخيرة في البلاد.
فالمعادلة التي أرستها ثورة 14 جانفي 2011 التونسية قلصت من حدة التناقض بين الموت والحياة، فإرادة الموت حرقا أصبحت عملا خلاقا وتحريضيا لتواصل الانتفاضة وانتشارها وتوقا لبعث حياة جديدة ليست تكرارا لما سبقتها ولا إعادة ممثلة ودراماتيكية لما كان سائدا، فانتشرت الانتفاضة عبر أجزاء الوطن كالنار في الهشيم وعمت كافة البلاد لا تحركها أي قوة منظمة وليست مؤطرة من أي حزب سياسي أو منظمة نقابية أو حقوقية ولا حتى من جهاز خاص ومستقل ولا تحمل هدفا ايديولوجيا أو مذهبي بل رفعته شعارات تعنون وتحتضن خلجات الشارع.
إن الذي كان يغذي صدق وعفوية الاحتجاجات والتظاهرات هنا وهناك هو الرفض ولا شيء غير الرفض لمنطق الاستبداد والعجرفة، تزكيها إرادة الحرية والكرامة وتجاوز مرحلة الخوف في سنة أرادها النظام المتسلط سنة للشباب، فكانت له مفاجأة أمام شباب لا يخاف، متلهف لحياة أفضل تعيد له انسانيته، فعبد أن كانت الشعارات المرفوعة تنادي في البداية بالحق في الشغل والحياة الكريمة سرعان ما نضجت وأينعت فأثمرت باحتكاكها بالحركة النقابية والديمقراطية المتواجدة على الساحة وعبر الجهات وأصبحت أكثر عمقا وتجذرا وباتت تطالب برحيل «الديكتاتور» مصدر الفساد والحرمان الذي يتخبط فيه الشعب بأكمله.
فالثورة التونسية شكلت انتفاضة عمّت وشملت البلاد بأكملها فأتت أكلها ولكن بمقاييس نسبية غير محددة الأبعاد والنتائج فالنظام باق حتى بعد ذهاب رئيسه إذ لم يقع تركيز لجان شعبية أو أطر تنظيمية جديدة في الأرياف والجهات التي أطلقت الشرارة الأولى التي فجرها محمد البوعزيزي وبقيت السلطة المحلية التي قمعت وكبدت جماح ثورة المحتاجين والعاطلين عن العمل هي ذاتها تنتظر استقرار الوضع الأمني لتعود الى سابق عهدها وغيها وتنكيلها بالمواطن الأعزل وقد تفكر في الانتقام منه لأنه تجرأ على التمرد عليها والصراخ في وجهها لا وألف لا وكفى.
فتحقيق مطالب القوى الديمقراطية والأحزاب المتواجدة بالبلاد التي تسعى لتحديد معالم طريق الانتفاضة وربما تكرسها لمصلحتها قد تركزت على المستوى المركزي وبالعاصمة تحديدا وبعيدا عن الجهات ومنها من يريد المشاركة في ما تبقى من حكومة حتى لا تبقى الدولة في مهب الرياح والأطماع وتحقيق الحدّ الأدنى من استقرار في البلاد وتصريف الأعمال الضرورية واللازمة ومنها من يريد مواصلة الانتفاضة والاحتجاجات الى غاية استقالة الحكومة الوقتية وحل الحزب الحاكم الذي احتضن القمع والارهاب على مدى خمسين سنة (50 سنة) وفي اعتقادهم لا بد أن تكتمل الثورة التي أطلق شرارتها محمد البوعزيزي بمعزل عن كل النتائج والأوضاع التي قد تحدث وتعهدوا والتزموا فجأة بإكمال ما لم يبدؤوه فعلا.
فالثورة التي حدثت في تونس قد كانت في الحقيقة بدون علامات أو رموز «كاريزماتية» كما حدث ذلك في أصقاع عديدة من العالم، لم يكن لها قاعدة مذهبية أو ايديولوجية تؤطرها أحزاب ممثلة في كافة أوساط الشعب وهدف ينبغي الوصول إليه بمساهمة أطر وكوادر قادرة على تسلم السلطة إنها ثورة بدون رأس ورمز ابتدأها شاب كره حياة الذل والمهانة وفضل حرق نفسه عوض حرق مركز الولاية وأعوانها الذين لم ينصتوا إليه ولا يريدون حتى النظر إليه وهي قمة التحدي وعدم الاكتراث في مواجهة إنسانية الانسان وحبه للخير.. إنها فحسب ثورة ذات خصوصية تونسية فريدة من نوعها حتى ولو لم تركز نظام ثوري جديد على انقاذ النظام السابق.. ثورة الشارع الذي رفض القوالب والأجهزة المؤطرة حزبية كانت أم حكومية، لذلك بقيت الى حدّ هذا التاريخ في الشارع الذي ولدت فيه وتنتظر ابداع أجهزة تحكم وتنير حركتها وتقيها النكسات وأطماع الأعداء المتربصين لها.
بقلم: الأستاذ نبيل بن فرج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.