تألمت كثيرا لما عادت بذاكرتها إلى الوراء حيث عاشت طفولتها دون أن تتمتع بحنان الوالد الذي كان سجينا سياسيا بسبب انتمائه إلى حركة النهضة...ولم تتمالك نفسها عن البكاء وهي تتحدث عن الرعب الذي كانت تشعر به كلما جاء البوليس السياسي ليفتش المنزل باحثا عن والدها معرجة في الآن ذاته عن المرارة التي كانت تسكن حلقها عندما كانوا ينتزعونه انتزاعا من بين أفراد عائلته ليزجوا به داخل الزنزانة ولم تقف معاناة سارة سومري أصيلةعين دراهم عند هذا الحد فلقد ظل انتماء والدها لحركة معارضة للنظام كحاجز بينها وبين الحياة الطبيعية التي يعيشها كل الناس. فالكل يرى انهما لن تتمكن من الحصول على عمل رغم تفوقها في الدراسة وهو ما حدث فعلا والكل يعتقد أنها ايضا سوف تواجه صعوبة في الزواج.لأنها إبنة سجين سياسي. قد لا تنجح الكلمات أحيانا في التعبير عن ألم أو حزن شخص وقد لاتتمكن العبارات من وصف آهات الظلم والقهر التي تصدر عن شابة تشعر وأنت تتحدث إليها أنك تحاور إمرأة في الأربعين. فالتفكير يتقدم بنا كثيرا عندما تمر الأيام ثقيلة...كما أن السنوات العصيبة هي التي تحدد تقدمنا في السن. ولكن المهم ألا تنتزع منا إرادة الفعل والإصرار على النجاح وسارة حرصت دائما على أن تكون متفوقة في دراستها فهي لم تنزل يوما عن معدل 17 من عشرين منذ دخولها المدرسة. الوجه الآخر للمعاناة تحصلت سارة على شهادة البكالوريا واختارت شعبة الهندسة البيولوجية وفقا لما توفر بالدليل الجامعي وذلك رغم الإمكانيات العديدة التي يوفرها معدل البكالوريا وتخرجت سنة 2007 بعد القيام بعديد التربصات في مستشفى شارل نيكول. ولكن لم تكن تحسب يوما أنها ستواجه شبح البطالة لأن وزارة الصحة لم تعترف بها ووزارة الفلاحة كذلك لم تعترف بها وهنا يحق لنا التساؤل عن حقيقة التوجيه حسب سوق الشغل الذي كان يتحدث عنه كل وزير تعليم عالي في النظام البائد. وبعد سنة من البطالة قررت سارة الدراسة من جديد للحصول على شهادة قد تكون معترف بها هذه المرة لتتمكن من الحصول على شغل. وفعلا درست سنتين إضافيتين لتحصل على شهادة الأستاذية في علوم الحياة والأرض سنة 2008 ومرت بتجربة «الكاباس» ولا زالت تنتظر الفرج وهي حاليا تدرس من جديد بالسنة الثانية للحصول على شهادة الماجستير في الكيمياء الحيوية والتقنية. «الفرحة عندي لا تتجاوز اللحظات الأولى للنجاح» هذا ما قالته سارة وهي تتألم من الصراع المتواصل مع الحياة وصعوباتها وكيف لا وابنة الفقير الذي ليس لديه معارف ولا أكتاف تواجه استحالة الحصول على شغل فما بالك بابنة السجين السياسي في نظام مبني على قاعدة من ليس معي فهو ضدي. وأضافت سارة لقد كنت أنا وأختي نمتاز بالجدية في الدراسة والتفوق في الإمتحانات فكنا نستمع من حين لآخر لثرثرة نسوة أو همس صديقات بأننا لن نحصل على شغل بسبب إنتماء والدنا في يوم من الأيام إلى حركة النهضة. وكان كلامهن فيه شيء كثير من الصحة لأننا تعرضنا إلى مظالم عديدة ومنها أن أختي الكبرى ولها نفس الشهادة الأستاذية في علوم الحياة والأرض أرادت أن تعوض استاذة بالمعهد الثانوي بعين دراهم وبعد أن قامت بكل الإجراءات اللازمة لإعداد الملف قام أحدهم بوشاية إلى الإدارة الجهوية للتعليم بجندوبة مفادها أن أختي ترتدي الحجاب وابنة سجين سياسي فما كان على الإدارة الجهوية إلا التأكد من الأمر وقابل أحد مسؤوليها أختي ومكنها من تعويض الأستاذة المريضة لشهرين بعد أن رآها أمامه بدون حجاب ( سبتمبر وأكتوبر2009) وإلى يومنا هذا لم تحصل على مليم واحد مقابل الفترة التي درستها. عدالة ومع أنها شبه يائسة من الحصول على شغل وسط كل هذه الملابسات كانت سارة مصرة على الدراسة حتى أنها قامت بتعويض مدرسة بخزندار طيلة سنة كاملة وكانت في نفس الوقت تدرس الماجستير. ولربما كان تأثير والدها ووالدتها الإيجابي واقتناعهما بأن العدالة الإلهية سوف تثبت العكس هو سبب إصرارهما على التسلح بالعلم. وسؤال الختام هل آن الأوان لتنتهي المعاناة التي تعرضت إليها سارة وأفراد أسرتها ظلما وبهتانا وتتحقق العدالة الإجتماعية لصالح هذه الأسرة التي تحتوي على فردين عاطلين عن العمل وهما من اصحاب الشهائد العليا؟