لم يكن في وسع الرئيس المصري حسني مبارك أن يقول أكثر مما قال ولا أن يفعل أكثر مما فعل طالما أن الرجل يتباهى بأنه حاصل على «دكتوراه في العناد» وطالما أنه ينظر الى الأمور على أنها منحصرة في خيارين لا ثالث لهما: اما بقاؤه في السلطة أو انتشار الفوضى. مبارك أبدى اصرارا غير مسبوق على اكمال الأشهر المتبقية من ولايته الرئاسية وفي ذلك استخفاف بمشاعر الملايين وارادتهم في التغيير والقطع مع النظام القائم بكل رموزه وتبعاته... وما قاله مبارك لا يختلف كثيرا عما قاله آخرون أو فعلوه، فهذا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يعلن أخيرا وبعد أسابيع من الضغوط والاحتجاجات أنه لا يعتزم الترشح لولاية رئاسية جديدة ولا ينوي توريث السلطة لنجله الذي يتولى مناصب قيادية رفيعة في الدولة، وهذا أقصى ما يمكن أن يقدمه صالح من «تنازلات» وهو الذي يرأس بلدا أنهكه الفقر ودمرته الحروب ضد عدة خصوم أبرزهم الحوثيون وتنظيم «القاعدة». وفي الجزائر وسوريا والأردن اتخذت القيادات اجراءات لتهدئة الشارع لم تزد على اقرار بعض التخفيضات في الأسعار وفتح حوار مع المعارضة واجراء بعض الاصلاحات السياسية وهي تعتقد أن التحديات الآنية والأوضاع الراهنة لا تستدعي أكثر من هذه «التنازلات». وما يجمع بين هذه المواقف صفة تلتقي عندها معظم القيادات العربية وهي عدم استباقها لتحركات الشارع وردود فعله ومعاملة هذا الشارع معاملة الأطفال الذين ترضيهم قطعة حلوى وان كانت مريرة الطعم وهناك أيضا صفة أخرى أبداها مبارك في خطاب الثلاثاء الماضي، وهي استرداد عطف الشارع عبر تذكيره بأن الرئيس في النهاية هو ابن البلد ومن حقه أن يعيش فيه حتى آخر رمق، ولكن ليس من حقه أن يحافظ على صفة «رئيس» مدى الحياة. والأكيد أن لا أحد يرغب في مصير مشابه لمصير الطاغية الروماني تشاوشيسكو ولا حتى مصير الرئيس التونسي المخلوع بن علي... من حق كل الرؤساء أن يتشبثوا بالأرض التي بها ولدوا وفيها ترعرعوا وبنوا وشيدوا وحكموا وأقاموا سلطاتهم وأن يموتوا فيها وأن يخرجوا منها تارة أخرى... لكن لارادات الشعوب حسابات أخرى.